لكل شيء في هذه الحياة جانب جميل ومشرق وجوانب قبيحة ومعتمة، ولكن مواطن القبح ومناطق الاعتام قد لا تتجلى وتتكشف لنا في كثير من الأمور إلا بعد مرور فترة من الزمن وبعد قيامنا بالتمعن والتدقيق، وحين سطع نجم (تويتر) مؤخراً كوسيلة تواصل فاعلة حدث نزوح جماعي إليه بفضل حداثته ومميزاته وظلت المنتديات ووسائل التواصل الالكتروني الأخرى خاوية على عروشها إلا من قِلة يبحثون عن بعض الخصوصية أو ينتظرون الفرصة المناسبة للحاق بركب المغردين..! وقد كان الشعراء من ضمن ركب النازحين لتويتر ومن الذين نعموا بمميزاته العديدة واكتووا ببعض سلبياته أيضاً، ومن أبرز سلبياته التي أشرت إليها في مقال (تويتر وشعراء النفس القصير) واتضحت بجلاء الآن انحدار مستوى التغريدات الشعرية لكثير من الشعراء المبدعين نحو السطحية وفراغ المضمون التي تسبّب فيها إغراء تويتر للشاعر بمداومة الكتابة بشكل شبه يومي مدفوعاً برغبة إرضاء جمهوره التواصل معهم بالجديد، وكذلك تطلبه لطريقة معينة في الكتابة لا يجيدها إلا نسبة ضئيلة من الشعراء؛ وقد عبّر الشاعر المبدع محمد العرم عن هذه المشكلة في أبيات جميلة يقول فيها: لا حلو يا تويتر ولا أنت بزين في هاجس الشعار وش سويت؟ أفكارنا راحت مراح زبين لا جيت أسوّي كم بيت أزريت راحت على بيت وعلى بيتين ولا فيه رابط بين بيت وبيت خلّيتها حبحب على السكين وتقاس جودتها ب كم رتويت! فالعرم يُلمح في هذه الأبيات الأشبه بالهجائية -وبلسان حال كثير من الشعراء- إلى أن تويتر قد فرض طريقة جديدة في كتابة الشعر تُلزم بتكثيف الأفكار في بيت أو بيتين وهي طريقة تسببت في إحراج كثير من الشعراء الذين تخرج أبياتهم في تويتر مشوهةً لا يتسق فيها معنى صدر البيت مع عجزه، وفرض أيضاً مقياساً غريباً للجودة يتمثل في ارتفاع عدد مرات إعادة إرسال أو توجيه الأبيات من قِبل من يطلع عليها. ويواجه الشعراء في تويتر مشكلة أخرى تعترض الشعراء منذ القدم وهي تعرض أبياتهم للسطو من أشخاص وقحين لا يكتفون بمحو اسم الشاعر إيهاماً بأن الأبيات من نظمهم فحسب، بل قد يتبعونها بأسمائهم دون أي خوف أو مراعاة لمشاعر مبدع الأبيات الأصلي، وقد شكا لي أكثر من شاعر من تعرض أبياتهم للسرقة في تويتر وهذا ما يشتكي منه الشاعر المبدع مطر العازمي في البيتين التاليين اللذين أبدعهما في صيغة التوبيخ : حط اسم راع البيت يا ناقل البيت من الأدب والذوق يا راعي الذوق والا أضعف الإيمان سو له رتويت عيب عليك تغرّد ببيت مسروق ويمكن أن نقول بأن أثر السلبيات والمشاكل التي تسبب فيها تويتر للشعراء الشعبيين -إلى الآن- يُعد عادياً وهيناً جداً إذا ما قارناه بتأثير المشاكل التي جرّها على كثير من الكتاب والمشاهير ممن أغرتهم أجواء الحرية في التغريد وسحبتهم إلى مناطق محظورة كان دخولهم إليها أو اقترابهم منها شراً ووبالاً يصعب التخلص منهما بسهولة..!