قبل أن يخرج اليمن من نفق الأزمات التي تحاصره من الجهات الأربع انطلاقاً من الحرب الضروس التى يخوضها الجيش والأمن ضد تنظيم القاعدة الإرهابي ومروراً بالحراك الانفصالي في بعض المحافظات الجنوبية والمواجهات المستمرة بين الحركة الحوثية والجماعات السلفية في شمال الشمال وأجزاء من الغرب.. وانتهاءً بالانفلات الأمني وانتشار أعمال التقطع والتخريب لخطوط وأبراج الكهرباء وأنابيب النفط والغاز في المنطقة الوسطى. في هذا الوقت الملبد بغيوم الأزمات والانقسامات والاختلالات الأمنية والانهيارات الاقتصادية وضوضاء الاحتجاجات داخل المؤسسات العامة ينصب اهتمام الحكومة اليمنية في الجدل الدائر حول مشروع (قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية) والذي كان يفترض ان يطرح اولاً على مؤتمر الحوار الوطني الذى من المقرر أن تشارك فيه كافة الأطياف والمكونات السياسية والحزبية والاجتماعية من اجل الخروج برؤية توافقية حول مسار (العدالة الانتقالية) وكيفية تطبيقها والفترات الزمنية التى ستشملها ومن أين يمكن المرور لتنفيذ مفاهيم هذه العدالة هل باستنساخ تجارب الآخرين بمافيها التجارب التى تقدم على انها ناجحة والتى وان نجحت في جنوب افريقيا والكونغو والمغرب وبعض بلدان امريكا اللاتينية فان هذا النجاح قد لا يتحقق في اليمن باعتبار ان لكل بلد خصوصياته التى يتعين مراعاتها عند الاستئناس بأي تجربة من تجارب الآخرين. ومالم نفهمه على الأقل حتى هذه اللحظة هو لماذا سارعت الحكومة اليمنية إلى مناقشة مشروع قانون (العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ) فيما لاتزال الآراء في داخلها متباينة حول هذا القانون.. والجدل خارجها بشأنه محتدماً على أكثر من صعيد .. ولانه لا تفسير مقنعاً لهذا الاستعجال فقد كان من الطبيعي أن تنقسم الحكومة على نفسها بشأن الفترة الزمنية التي ينبغي أن يشملها هذا القانون شأنها في ذلك شأن الشارع السياسي الذي يرى فريقاً منه ان لاحاجة لنبش صراعات الماضي ولذلك فهو يفضل اختزال حيثيات (قانون العدالة الانتقالية) على احداث الأزمة الأخيرة التي نشبت في اليمن مطلع 2011م فيما يطرح اخرون ان اختزال استحقاقات (العدالة الانتقالية) على هذه الفترة فيه إجحاف كبير بحق من تضرروا من الصراعات بعد قيام الوحدة اليمنية أو أثناء الحقبة الشطرية التى كان أشدها قسوة وعنفاً مايعرف بأحداث 13 ينايرعام 1986م بمدينة عدن خاصة وأن تلك الأحداث التى جرت في إطار الصراع الذى كان قائماً بين أجنحة الحزب الاشتراكي الذى كان حاكماً لجنوب اليمن انذاك قد حصدت أكثر من أحد عشر ألف شخص من السياسيين والمثقفين والأدباء والصحفيين والعلماء والشرائح الاجتماعية الأخرى والذين مايزال مصير معظمهم مجهولاً بالنسبة لأسرهم وعائلاتهم التى لاتعلم شيئاً حتى اليوم عن المقابر التى دفنوا فيها ناهيك عن ان تلك المذبحة البشعة قد سحبت نفسها على كل الأحداث التى شهدها اليمن الموحد لعوامل كثيرة أهمها .. إغفال المشروع الوحدوي لحق الضحايا في الحصول على التعويض المادي والمعنوي وجبر الضرر الذى أصابهم بكشف حقيقة تلك الأحداث والمتسببين فيها ومن قاموا بارتكابها ومن ثم طلب الصفح منهم وهو إجراء كان لابد منه .. إذا ما أريد إغلاق هذا الملف نهائياً ومعالجة ندوبه الغائرة في الجسد اليمني.. ولا يتوقف الأمر عند ذلك بل ان هناك من يعتقد بأن أهمية (قانون العدالة الانتقالية ) تكمن في شموليته للفترة التي تضمنها قانون الحصانة الممنوح للرئيس السابق علي عبدالله صالح والمحددة ب 33 عاماً باعتبار ان مثل هذا الامتداد الزمني سوف يوفر إمكانات أكبر لحسم الكثير من القضايا المعلقة والدخول في تسوية تفضي إلى إغلاق ملفات الماضي وبدء مرحلة جديدة تقوم على التسامح والتفاهم وروح الوفاق الوطني. وبصرف النظر على رؤية كل طرف ومبرراته فان مايلفت الانتباه هو ذلك الانقسام الحاد الذي برز داخل الحكومة اليمنية اثناء مناقشاتها (لقانون العدالة الانتقالية ) وكذا اخفاقها في التوصل الى صيغة توافقية يرضى عنها الجميع مما دفعها الى رفع الأمر إلى رئيس الجمهورية بوصفه المرجعية لأي خلاف ينشأ بين أعضاء الحكومة كما اكدت على ذلك المبادرة الخليجية واليتها المزمنة. والأكيد ان هذا الخلاف قد كشف بشكل صارخ ان كل طرف داخل هذه الحكومة يعمل وفق توجهاته واستراتيجياته وقناعاته السياسية والحزبية وليس وفق ماتمليه مصلحة البلاد والعباد والأولويات الوطنية.. وبالتالي فانه ومن دون حدوث تغيير جوهري في أداء الحكومة وإدراكها بانها الراعي لكل اليمنيين دون استثناء فستبقى هذه الحكومة غارقة في المماحكات والخلافات الجانبية على حساب اهتمامها بالقضايا الأساسية لأبناء الشعب اليمني الذين ينتظرون منها تحسين أوضاعهم الحياتية والمعيشية وتثبيت عوامل الأمن والاستقرار واجتثاث اَفة الإرهاب وترسيخ السلم الاجتماعي وإنهاء مظاهر الفوضى ومعالجة تداعيات الأحداث التى قد تنزلق باليمن الى هوة سحيقة من دون قرار من أحد الطرفين أو كليهما. إن الأوضاع في اليمن قد وصلت الى منعطف خطير لا يحتمل المزيد من إهدار الوقت حيث ان ما يحتاجه الناس هو السير في دروب النمو الاقتصادي والأمان الحياتي والمعيشي والاستقرار السياسي، وخطط توافقية تمهد الطريق أمام تطبيق (قانون العدالة الانتقالية) بعيداً عن المطبات الحزبية التى حولت الساحة اليمنية الى حلبة مبارزة ساخنة.