التغيرات الدراماتيكية المصاحبة للربيع العربي وضعت معرفة الرأي العام في موقع مجهول يصعب التنبؤ بسلوكه ، وكل ادعاء بفهم البني الآدم العربي يعد وثيقة تزوير تضلل كل مهتم بمعرفة مايدور في رأس هذا الإنسان الثائر . قدمت الكثير من التقارير والدراسات التي رسمت لنا البشر في وطننا العربي الكبير ومساراتهم وحددت لهم نقاط التقاء واعتبرت الانحراف عن مسارها ضرباً من الجنون ، لنكتشف فيما بعد أن الاعتقاد بواقعيتها هو الجنون ذاته . نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية وضعتنا أمام منحدرات مرصوصة بحجارة يصعب تجاوزها بالاعتماد على تحليلات الكتّاب الذين نذروا أنفسهم لهذه القضية ، فكان التنبؤ يقدم عبدالمنعم أبو الفتوح وعمر موسى في سباق الرئاسة ، ويضع مرشح الإخوان محمد مرسي و أحمد شفيق بعدهم بمسافات ليست قصيرة ، ماذا حدث هل غير الشعب المصري انتماءه أو جلده بين عشية وضحاها والتف على صناديق الاقتراع الوطنية كما يصفها المحللون ، ليحصروا خياراتهم بين تجاه ديني وعلماني بعيدا عن كل الاعتبارات التي قامت عليها الثورة (الوظائف ، والخبز ، والكرامة) لتكون الانتخابات بين الإخوان المتعطشين للسلطة ، ومدنيين متعطشين للأمن . نتائج الانتخابات المصرية كشفت لنا أن للثورة منطقاً لا يكون بالضرورة يتفق مع الحسابات السياسية ليس لدى المشتغلين بالسياسة فقط ولكن لدى الإنسان العادي، وهذا منطق مربك بحساباته ولكنه واقع من الصعب تجاوزه عند الوقوف على المكاسب الثورية والسياسية ، الثورة تعتمد على قوة تجمعت في الماضي وأجبرتها الممارسات القمعية للظهور في الحاضر ، أما السياسية لا تقوم لها حياة إلا بحرق كل أوراق الماضي ، وغلق الباب بوجه كل فاعل ثوري حالي يريد أن يمد من عمره النضالي إلى ما بعد الثورة . الربيع العربي قدم لنا ثورة لها منطق غريب جداً ، فيما يتعلق بصانع الثورة أو الثائر ، فليس لهذا الإنسان تكريم إلا تكريم محمد بوعزيزي خلد اسمه كثائر بإحراق نفسه ، وبهذا جعل للثائر صورة وحيدة تقول إن نهاية حياة الثائر تعد بداية تاريخ مجده الخالد ، فليس له وجود كقائد أو بطل إلا في نهايته ، حاول أحد أبناء الثورة المصرية خالد علي أن يجني ثمار نضاله الثوري ويدخل السباق الرئاسي فكانت النتيجة مخيبة للآمال لأنه اعتمد على رصيده الثوري الذي لا يوجد له تأثير في المستقبل السياسي ، الثورة تصنع منك بطلاً ولكن لا يمكن أن تصنع منك زعيماً أو قائدًا سياسياً لمرحلة ما بعد الثورة . فبالعودة للانتخابات المصرية التي كثفت من ظلالها على ميدان التحرير حتى أصبح لا يرى في صناديق الاقتراع التي كذبت نتائجها المحليين والكتّاب ومراكز الاستطلاع ، وكأن هؤلاء المراقبين غاب عنهم منطق الثورة الجديد "لا نجاح للثائر إلا بالثورة" فالسياسة تعيش على جثث الثوار وليس بها .