إحساس الشاعر بتراجع مستوى قصيدته وانخفاض لياقته الإبداعية يُعد أمراً هيناً ويسيراً إذا ما قورن بشعور الإفلاس الكلي وعدم القدرة على الكتابة أو النظم برغم المحاولات العديدة والجادة لذلك، وهذا الشعور يمر بالمبدعين في جميع العصور كما حدث مع شعراء كثر كجرير والبحتري الذي امتنع عنه الشعر عشر سنوات، وكذلك الفرزدق الذي ذكر إنها تأتي عليه ساعات يكون فيها خلع ضرس من أضراسه أهون عليه من نظم بيت شعر واحد! وخلال الفترة القريبة الماضية اطلعت مصادفة على عدد من المقالات والدراسات والبحوث التي تتناول مشكلة (صعوبة الإبداع) و(تعسر القول) لدى الشعراء، أو ما يُعرف ب (عائق الكتابة) الذي يتعرض له الكتاب في مختلف أشكال الكتابة الإبداعية، ولا شك في أن تناول هذه المشكلة من قبل مجموعة من الكتاب والنقاد هو دليل على شيوعها وحجم القلق الذي تتسبب فيه، ولعل أبرز تلك الكتابات بحث جميل عنوانه: (عائق الكتابة: التشخيص والأسباب وبعض الحلول) للمترجم المبدع الدكتور حمد العيسى، وقد قام العيسى في هذا البحث بذكر تعريف عائق الكتابة والإشارة إلى أسبابه التي من أبرزها ما ينتج عن ظروف سلبية في حياة الكاتب أو مهنته: "كالأمراض الجسدية والاكتئاب، ونهاية علاقة زوجية أو رومانسية، والضغوط المالية، والشعور بالفشل" إضافة إلى "السعي الجنوني نحو الكمال والضغوط الشديدة على الكاتب لكي ينتج ويواصل النجاح السابق، وكذلك الشعور بالخوف من عدم تكرار نجاح سابق حيث يضغط الكاتب على نفسه ضغطاً هائلاً يشله وهو يحاول إنتاج شيء يكون بمستوى ذلك النجاح الساحق مجدداً". وأعتقد أن أبرز العوامل مُضاعفة لحجم قلق المبدع وخوفه من الإفلاس وجفاف منابع الإبداع لديه في عصرنا الراهن هو تحول عملية الإبداع من مجرد هواية - يجد المبدع متعة كبيرة في ممارستها - إلى مهنة ومصدر رزق مهم يوفر له ولأبنائه لقمة العيش، فإذا كان هناك شعراء قلائل عرفوا قديماً بكسب رزقهم بألسنتهم، من بينهم الشاعر الشعبي المعروف خلف أبو زويد، الذي يُشير أحد رواة كتاب (أيام العرب الأواخر) إلى أنه: "قصّاد يأكل بلسانه ويتلي الشيخان ويعطونه"، فإن الكثير من شعراء وكتاب اليوم يأكلون بألسنتهم وأقلامهم وتمثل إيرادات بيع دواوينهم وأمسياتهم ومؤلفاتهم ومقالاتهم مصدراً لا يمكنهم الاستغناء عنه، ما يعني أن (عائق الكتابة) إفلاس مزدوج يستوجب الأرق الطويل وتضاعف حجم الخوف والقلق..! أخيراً يقول المبدع محمد جار الله السهلي: جيتك بدون شعور وادراك ووعي مدمن وأبي من حالة إدمانك علاج مابي من الدنيا سوى تبقى معي محتاج لك والحب ف الأصل احتياج!