الطلاق يحدث كثيراً بين أي زوجين في أي مكانٍ في العالم ، ونسبة الطلاق في ارتفاع في جميع أنحاء العالم ونحن لسنا استثناء عن العالم الذي يغرق في دوامة المشاكل التي تنتج عن الخلافات الزوجية والطلاق. ليس هناك نسبة حقيقية عن مدى انتشار الطلاق في المملكة وإن كانت هناك دراسات وارقام مختلفة تصدر أحياناً من جهات مختلفة عن نسبة الطلاق في مدن المملكة ولكن هذه الإحصاءات لا يدعمها ما يؤكد بأن هذه النتائج لنسبة الطلاق في مدن المملكة حقيقية ، وإن كانت النسب تُشير إلى ارتفاع نسب حدوث الطلاق في جميع مدن المملكة دون استثناء. الطلاق أمرٌ يحدث بين شخصين بالغين ، وأحياناً يكونان ناضجين فيتم الطلاق بصورةٍ حضارية ، صحية تُجنب كلا الطرفين وكذلك الأطفال مشاكل جمة تنتج عادةً بعد الطلاق. أهم المشاكل التي تحدث بعد الطلاق هي الحضانة الخاصة بالابناء ، سواء أكانوا صغاراً في السن أم كِباراً في سن المراهقة وما بعد ذلك. حسب نظام منظمة الصحة العالمية فإن سن الطفولة يبقى حتى سن الثامنة عشرة ، بينما القضاء في المملكة يعتبر سن الطفولة هو سن الخامسة عشرة ، وهذا يخّفض سن طلب الحضانة بالنسبة للوالدين المطلقين إلى الخامسة عشرة. كثيراً ما تسير الأمور بشكلٍ مقبول ، ربما يعتريها بعض المشاكل ولكن يتم حلّها في إطار التفاهم بين أهل الزوج والزوجة ، وتسير الأمور جيدا وربما لا يؤثر ذلك على الأطفال وإذا فكّر الوالدان بعد انفصالهما وحدوث الطلاق بمصلحة أبنائهم ومستقبل هؤلاء الابناء وحياتهم في المستقبل بعد سنواتٍ من الانفصال وانتهاء الحياة بين الوالدين ، ولكن يهم الأشخاص الناضجين مستقبل الأبناء ، ويحاولون أن يتعالوا على مشاكلهم الخاصة في مصلحة الأبناء. للأسف ليس كل المطلقين بهذه الحالة النفسية والنضج ومراعاة نفسية الأبناء بعد الطلاق. كثيراً ما تحدث أمور خطيرة على حياة الابناء بعد الطلاق. هناك مشكلة الحضانة التي يُريد كل من الأب والام أن يكون الابن أو الابنة تحت وصايته ومن هنا تأتي المشاكل التي قد تخلق أجواء من الشحناء والبُغض بين الزوجين وقد تأتي هذه المشاكل بأضرار نفسية على الأبناء قد تؤثر على مستقبلهم وحياتهم المستقبلية وكذلك نفسياتهم وربما يتضرر من سوء العلاقة الأبناء في حياتهم التي يعيشونها. هذا التوتر وسوء المعاملة التي تقع بين الزوج والزوجة ، قد يذهب ضحيتها الأبناء وقد يتحطّم مستقبل الأبناء بناءً على هذه الخلافات التي تحدث بين الوالدين. كثير من الأبناء الذين تحكم المحكمة لوالدتهم بالحضانة مثلاً قد يُعطّل الوالد أمورا كثيرة لهذه العائلة. كثير من الآباء مثلاً يرفضون أن يُعطوا بطاقة هوية العائلة لتسجيل الاولاد في المدارس ، فيمنع الأولاد من دخول المدارس ، وقد سمعت من أحد القضاة بأن فتاة بلغت من العمر أكثر من تسع سنوات ولم تستطع أن تذهب إلى المدرسة لأن ليس معها بطاقة العائلة ، وهذا أمر مؤلم جداً أن تتغلب مشاعر الانتقام من الأب بحق ابنته في حرمانها من حق التعليم الذي هو أمر إجباري لكل الأطفال ، وكذلك قد لا يُعطي الأب بطاقة العائلة أو سجل العائلة لأطفاله لعلاجهم في المستشفيات والقائمة قد تطول في تعنت احد الوالدين بحق الأبناء. يعانون نفسيا أحياناً تصل القضايا في موضوع الحضانة إلى أن يحكم القاضي بأن يرى أحد الوالدين ابناءه في إدارة الشرطة مثلاً نظراً لصعوبة الأمر وعدم قدرة المسؤولين على إيجاد مكان مناسب ، مثلا منزل أحد الاقارب مثل الجد أو الجدة من الطرفين سواء من ناحية الأب أو الأم ، فيضطر أن تكون الرؤية في الشرطة ، وهو أمرٌ صعب نفسياً على الأطفال ، أن يروا آباءهم أو أمهاتم في مركز الشرطة ، حيث لا توجد أماكن مهيأة لمثل هذه الأمور. وبناء على هذه الصعوبات التي تواجه الأطفال مع أحد والديهم في الحضانة فقد عقدت جمعية مودة الخيرية ، وهي جمعية تهتم بالحد من الطلاق وآثاره. عقدت ورشة عمل يوم الاثنين 9 جمادى الآخرة بعنوان "مشروع مودة لاستضافة أحكام الحضانة وزيارة ورؤية المحضون". كانت الورشة برعاية رئيس مجلس إدارة الجمعية ، صاحبة السمو الملكي الاميرة سارة بنت مساعد بن عبدالعزيز ، وبحضور معالي الدكتور بندر العيبان رئيس هيئة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ، والذي كان لحضوره أثر إيجابي حيث ألقى كلمة وشارك في رأيه في الأوراق التي قُدمّت في الورشة وكان مهتماً كثيراً بما يُطرح من آراء من أصحاب الفضيلة القضاة وطلبة العلم والمختصين في الصحة النفسية والاجتماعية. وقد كانت بداية ورشة العمل كلمة مختصرة من راعية الورشة ورئيس مجلس إدارة جمعية مودة الخيرية سمو الأميرة سارة بنت مساعد بن عبدالعزيز وبعد ذلك تحدث معالي الدكتور بندر العيبان وقال كلمة ضافية في غاية الأهمية عن حقوق الطفل ، وعن اهتمامه هو شخصياً بهذا الأمر ، ونقل أيضاً اهتمام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وحرصه أيده الله على كل ما يتعلّق بالأسرة و خاصة في ما يتعلّق بالاطفال. بعد ذلك القت سعادة الاستاذة نوال الشريف المدير التنفيذي لجمعية مودة الخيرية كلمة عن " المشكلات الناتجة من عدم وجود مكان ملائم لتنفيذ أحكام الحضانة وزيارة ورؤية المحضون ، تحدثت فيها عن مشكلة رؤية الوالدين لاطفالهم في مكانٍ غير مهيأ لأن يكون لهذا الغرض والأضرار النفسية التي تترتب على هذا الأمر. بعد ذلك تحدّث فضيلة الشيخ حمد بن عبدالله الخضيري ، القاضي بالمحكمة العامة في الرياض ، عن الوضع الراهن لصكوك وأحكام الحضانة والزيارة والرؤية ، حيث تحدّث عن الواقع الحالي الذي يُعاني منه الأطفال في ظل عدم وجود مكان ملائم لرؤية أحد الوالدين لأطفاله ، وتحدّث عن مشكلة الحضانة ، وقال بأن الأمور تصل إلى القضاء وقد استنفدت الفرص للصلح وليس هناك مجال للتفاوض بين الزوجين ، وقال بأن القاضي يحكم بالحضانة حسب الوضع وصلاحية كل من الأب والأم ، وهذا الأمر الأخير – من وجهة نظري- ، وهو صلاحية الاب أو الأم ، حيث يخضع ذلك لتقييم التقاضي الشخصي لمن هو أصلح وما هي معايير الصلاحية بالنسبة للقاضي ، وقد يحكم بعض القضاة بأن الأم غير صالحة مثلاً إذا ادعى طليقها بأنها تذهب إلى المطاعم أو أن في منزل عائلتها تلفزيونا ولاقطا فضائيا ( دش ) فيحكم للأب نظراً لأن بعض القضاة يرون أن في هذه الأمور عدم صلاحية للأم لأن تكون حاضنة لابنائها. وأشار فضيلة القاضي إلى أن الإيذاء أو القتل يحدث من زوجات الأب بموافقة الأب ولا يحدث من الأم ، كما حدث في قضايا هزّت المجتمع السعودي في عدد من المدن خلال هذا العام والعام الماضي. وأضاف بأن الأم عادةً هي الأصلح والأحق بتربية الابنة ، وذكر فضيلته بأنه خلال الفترة من هذا العام من 1/1/1433 ه حتى 8/6/1433 ورد للمحكمة في الرياض 146 حالة حضانة للأولاد ، وهذا عدد كبير حقيقةً ، إذا ما روعي أن هناك جهودا تُبذل من لجان لإصلاح ذات البين ولجان أخرى وتدخلات الأهل والأقارب التي تُنهي كثيرا من هذه المشاكل ، ولذلك لا تبقي إلا القضايا الصعبة الشائكة والتي يبث فيها القاضي بأحقية أحد الوالدين في حضانة الأبناء. بعد ذلك القيت ورقة أعدّها العقيد عادل الشيخ ، مدير إدارة تنفيذ الأحكام الحقوقية في جدة. حيث ذكر المشاكل الخاصة بعد الطلاق ، وحدد أهم أربعة مواضيع ، وهي: الأول : تسليم المحضون ، الثاني : زيارة الطفل ، الثالث: رؤية المحضون ، الرابع: النفقة. والإشكالات في مماطلة الرجل في زيارة المحضون ، حيث قد يسافر بالطفل أو الطفلة من بلدٍ إلى بلد أو يُغيّر العنوان. وكذلك مماطلة النساء وهي أصعب حيث أن الشرطة لا تستطيع العثور على السيدة إذا غيّرت عنوانها. والحقيقة أن هناك قصصا ذُكرت مؤلمة للغاية ، وللاسف ضحيتها الأطفال الذين يتربون في جو وبيئة غير صحية من ناحية نفسية ، وهم يعيشون الخوف والتوتر في طفولتهم التي يُفترض أن تكون حياة بسيطة بعيدة كل البعد عن المحاكم وأقسام الشرطة والخصام بين الوالدين وأحياناً التعّرض للعنف انتقاماً من الطرف الآخر. حقيقةً مرّ عليّ خلال عملي كطبيب نفسي مشاكل تتعلق بموضوع الحضانة ، فأب مثلاً يساوم أماً على رؤية ابنتها مقابل مبالغ مالية كبيرة ، نظراً لأنها مقتدرة مالياً أو يطلب من الأم أن تتصل به هاتفياً في ساعات متأخرة من الليل للعبث وأمور غير أخلاقية! بعد ذلك تحدّث الدكتور راشد بن أحمد الدوسري ، مدير عام مركز الاستشارات العائلية في دولة قطر عن منزل في مدينة الدوحة لمثل هذه الحالات التي يرى فيها الاطفال والديهم الذين حكم لهم القضاء بأن يراهم أحد الوالدين في هذه الدار ، وكيف نجح هذا المنزل في التخفيف من الجو الذي كان يسود في أقسام الشرط ، خاصة أن هناك أشخاصا مؤهلين من السيدات والرجال للتعامل مع مثل هذه الحالات. أدار ورشة العمل فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الصقية القاضي بديوان المظالم ، والذي كان حقيقةً خير من يقوم بمثل هذا العلم بما له من خبرة في عمله كقاض في ديوان المظالم وكذلك عمله الحالي كمحامٍ. حقيقةً خلال ورشة العمل هذه عرفت معلومات عن حقوق المرأة لم أكن أعرفها ، أهمها أن المرأة لها الحق في أن تحصل على دفتر عائلة خاص بها إذا طُلقت ورفض زوجها إعطاءها بطاقة العائلة لإنهاء اعمالها ، وهناك حقوق كثيرة للمرأة لم أعرفها إلا من خلال ورشة العمل هذه ، لذلك أرى أن تتعرف النساء على هذه الحقوق ، وحسب ما قالته لي احدى المشاركات بأن هذه الحقوق صدر فيها قرارات سامية وهي معروفة وموجودة لدى هيئة حقوق الانسان. بقي أمر هو الأهم وهو التمويل لهذه البيت الذي سوف يطلق عليه "بيت مودة" ، ولقد حضر الورشة سعادة الاستاذ حسين العذل من الغرفة التجارية في الرياض ، وأبدى استعداده للمساعدة في نقل هذا الطلب لرجال الأعمال بعد أن تدرس الجمعية القيمة التي يُكلفها هذا البيت. أرى أن خروج مثل هذا المشروع الانساني إلى حيّز الوجود أمرٌ في غاية الأهمية لشريحة من أطفال المجتمع هم ضحية لمشاكل الوالدين وهم بحاجة لأن يقف المجتمع بجانبهم حتى يتجاوزوا هذه المرحلة الصعبة من حياتهم ، وأعتقد أن رجال الأعمال لن يتأخروا في دعم مثل هذا المشروع كما أشار سعادة الأستاذ حسين العذل ، نتمنى للجميع التوفيق في مثل هذه الأعمال الخيرية التي تلامس حاجات المجتمع. بحاجة الى استقرار نفسي الاطفال قد يقعون ضحية مشاكل الطلاق