ما أفرزته الأزمة السياسية التي لا زال يشهدها اليمن.. وما خلفته من تداعيات مدمرة على المستوى الوطني وخاصة في الجوانب الإنسانية التي وصلت مستوى من السوء لم يكن يخطر على بال.. وهو ما يضع اليمنيين وفي مقدمتهم الأحزاب والتنظيمات السياسية والقوى الفاعلة في المجتمع أمام مسؤولياتهم التاريخية التي تُحتم عليهم العمل الجاد والمخلص لتجاوز كل الأوضاع الإنسانية المأساوية التي لم يعد المواطن اليمني قادراً على تحمل المزيد منها. ولنا أن نتساءل هل هان اليمن على البعض من بنيه الذين لم يكن لهم أي هدف سوى تحقيق أطماعهم وأحلامهم المريضة في الوصول إلى السلطة والحصول على المزيد من الثروة على حساب المواطن الذي يعاني الأمرين والوطن الذي يتدمر وينحدر نحو الانهيار.. أمْ إن العمى قد أصابهم.. وأفقدهم القدرة على معرفة ما أحدثوه من دمار للوطن وما يعانيه المواطن من استمرار تدهور الأوضاع المعيشية البائسة التي تسود البلاد؟ والسؤال الأهم هو: إلى متى ستظل الأحزاب والتنظيمات السياسية صامتة ومكتوفة الأيدي عما يجري في الوطن من عبث والاكتفاء بما حققته من مكاسب سياسية من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.. بوصولها إلى السلطة فقط، بينما لازالت مستمرة في المكايدات والمناكفات وإطلاق التصريحات وخوض حرب إعلامية من شأنها تدمير المزيد من مقدرات الوطن.. وزيادة معاناة المواطنين؟ إن ما صنعه السياسيون والطامعون في السلطة والثروة.. وما تسببوا فيه من مُعاناة للشعب يشكل كارثة وطنية سيظل الوطن والشعب يعانيان منها طويلاً.. فبفضلهم زادت الأمور تعقيداً وصعوبة، وبلغت الأوضاع الإنسانية في اليمن حداً مأساوياً وهمّاً مؤرقاً لجميع الذين يستشعرون مسؤولياتهم.. ويقدرون تبعات ومخاطر الاستمرار في تفاقم المشاكل والصراعات الخفية والظاهرة، ومن الخطأ أن يظل طرف في اعتقاده الواهم بالانتصار على الآخر فيتصرف المنتصر في حين انه لا يوجد منتصر ولا مهزوم في هذه الأزمة وان الخاسر الأكبر والوحيد لم يكن سوى الوطن والشعب.. هذا إلى جانب عدم الإدراك بأن الأوضاع الإنسانية في اليمن تتفاقم كل يوم بسبب استمرار تدفق اللاجئين من الصومال والقرن الأفريقي.. والذين يشكلون عبئاً كبيراً يثقل كاهل الدولة والشعب على حد سواء.. بالإضافة إلى موجة النزوح المستمر للمتضررين من نشاط تنظيم القاعدة سواء من محافظات أبين وشبوة ولحج.. أو الذين نزحوا ولازالوا من محافظتي صعدة وحجة بسبب الاعتداءات المتكررة ونشاط العناصر الحوثية التي تسعى لمزيد من التوسع والسيطرة على الكثير من المناطق.. والتمرد على الدولة. إن الأوضاع السائدة في اليمن بحاجة إلى تعاون الجميع أحزاباً وتنظيمات سياسية وقوى اجتماعية أولاً.. ثم تعاون الأشقاء والأصدقاء بما يساعد اليمنيين على حقن دمائهم وإعادة الأمن والاستقرار.. والحفاظ على وحدة وطنهم خاصة وأن المرحلة القادمة لابد أن تكون مرحلة عمل جاد للخروج من النفق الذي وصلت إليه البلاد؛ والذي بسببه تضررت البنى التحتية وتوقفت الحياة في كثير من المفاصل الأساسية للدولة.. وخاصة في الجانب التنموي.. الأمر الذي يجعل الآمال معقودة على دور الأشقاء والأصدقاء في تقديم الدعم والمساعدات السخية لليمن كمسؤولية دولية أعلنتها والتزمت بها الدول المانحة وفي المقدمة الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.. والوقوف مع الشعب اليمني لتجاوز الأزمة وتداعياتها وآثارها السلبية وخاصة في الجوانب الإنسانية التي تزداد قساوتها كما اشرنا إليه بفعل تدفق الأعداد الهائلة من اللاجئين يومياً من الصومال ودول القرن الأفريقي، كما أن ما يفاقم معاناة اليمنيين ذلك الضغط الإعلامي المخيف من وسائل الإعلام الخارجية التي تعمل على تأجيج الصراعات بين القوى السياسية في الساحة اليمنية.. وتتعمد نقل صور قاتمة ومحبطة عن الأوضاع في اليمن ظناً منها أنها بذلك تخدم المهنة وتساعد على تجاوز الأوضاع المريرة في اليمن.. بينما هي في الحقيقة تعمل على إشعال المزيد من الفتن وتغذي الصراعات الواضحة والخفية، وتشجع القوى المتخلفة والطامعة في السلطة والثروة والجاه على القيام بالمزيد من الأعمال الخارجة عن النظام والقانون والمخلة بالأمن والاستقرار والتي تهدد حاضر ومستقبل وحدة اليمن وسلامته وسيادته، بالإضافة إلى تلك المساجلات الإعلامية والحروب الكلامية التي تخوضها وسائل الإعلام الحزبية والأهلية والتصريحات النارية لبعض الإعلاميين الذين يدفعون في اتجاه إضرام الحرائق والتصعيد وفبركة الأكاذيب والمكايدات والأخبار الملفقة دون مراعاة لحق الوطن عليهم ومسؤولياتهم في تعزيز عوامل الأمن والاستقرار والطمأنينة العامة لدى المواطن والتخفيف من ما يعانيه من متاعب وصعوبات وضغوط نفسية كان يأمل أن يتحرر منها بانفراج الأزمة بعد التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض يوم 23 نوفمبر 2011م من قبل كل القوى السياسية الفاعلة في المجتمع. إن تهرب البعض - ممن شارك في صنع الأزمة وتصعيدها - من الالتزام بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية تحت مبرر عدم توقيعهم عليهما وأنهم غير معنيين بهما واستمرارهم في العبث بأمن واستقرار اليمن والإضرار بمصالحه.. والاستمرار في استفزاز مشاعر الناس لهو أمر غير مقبول مهما كانت المبررات حتى لو وجد من يؤيدهم ويشجعهم أو يتغاضى عن ذلك سواء من الجانب الرسمي أو الحزبي، فالجميع مسؤولون عن حماية الوطن والحفاظ عليه وإزالة أسباب التوتر وتهيئة الأجواء ليعيش اليمنيون كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم في أمن وأمان وطمأنينة، لأن الجميع أمام الدستور والقانون وفي تحمل مسؤولياتهم الوطنية سواء.. فليس هناك من هو فوق الدستور والقانون أو دولة داخل الدولة..