تختلف وجهات نظر النقاد والشعراء حول تحديد أكثر عناصر القصيدة أهمية وقدرة على التأثير في المتلقي وتحقيق تفوق القصيدة ورسوخها في الذاكرة، لذا تتفاوت درجات تركيز الشعراء في العناية بعناصر القصيدة المختلفة، كالصور الشعرية والصياغة والمضمون وتركيب البيت والإيقاع وغيرها، بحسب رؤية كل واحد منهم وقناعته الخاصة، وكذلك يحرص كل ناقد على تناول العنصر الأهم من وجهة نظره ودراسته والتأكيد على دوره في الرفع من جمالية وقيمة القصيدة. لكن بعض القصائد والأبيات قادرة على مُخالفة المتوقع وكسب الإعجاب على الرغم من خروجها بشكل عفوي وتلقائي ودون أن يبذل مبدعها جهداً كبيراً في تجويد صياغتها أو تركيبها أو بكد ذهنه في البحث عن فكرة جديدة لصورة شعرية يُضمنها إياها، ومع ذلك تحقق نجاحاً باهراً شأنها في ذلك شأن العديد من الأعمال الإبداعية التي تأتي عفو الخاطر أو لا يُعنى أصحابها بمنحها الكثير من الوقت والجهد، وقد تكون قصيدة الشاعر الكبير عيد بن مربح الرشيدي المشهورة (المور) التي تم إنشادها مؤخراً نموذجاً صغيراً لتلك القصائد التي يتضح من صياغتها وموضوعها أنها قصيدة عفوية بسيطة خرجت إثر موقف أو مُعاناة وقتية، ولكن هذا لم يمنع من شيوعها على حساب معظم قصائد الشاعر التي أجزم أن له العديد مما يفوقها في المستوى الفني. ومن أبيات الشعر العربي القديم الجميلة التي يُشار إليها كنموذج على الأبيات التي لها أثر في نفس المتلقي مع بساطتها وكونها لا تعدو وصفاً موحياً لحالة نفسية مُعينة قول ذي الرمة معبراً عن ذهوله وحزنه بعد رحيل محبوبته: عشيّة مالي حيلةٌ غيرَ أنني بلقطِ الحصى والحطِّ في التُرب مولعُ أخطُ وأمحو الخطّ ثم أعيدهُ بكفّيَ والغربانُ في الدارِ وُقعُ ويرى الدكتور فتحي عامر رؤية يتفق معها الكثيرون في أن "الشعر الذي يستمد قوته وفنيته من سماحة الطبع والسليقة يجد طريقه مباشرة إلى القلوب (...) بخلاف الشعر الذي يميل به صاحبه ميلاً شديداً إلى الصنعة، فإنك تراه قد حمل شخصية صاحبة المعقدة، وثقافاته المتعددة العميقة، فلا بد أن يتروى المتلقي لأمثال هذا الشعر تروياً كبيراً، ولا بد أن يتعمقه تعمقاً مضنيًا، وقد يصل إلى ما يريد الشاعر وقد لا يصل إلى ما يريد، فيفقده ذلك كثيراً من الاستمتاع بلذة الفن الشعري"..! أخيراً يقول المبدع مشخص السلمي: ويلي على ما أحط كفّي بكفك وأقول لأيام مضت لي سلامات طويتني طي الورق في ملفك وأحييت قلبي بعد كنت أحسبه مات!