أثارت واقعة اختطاف نائب القنصل السعودي في اليمن من قبل جماعات إرهابية تساؤلات عديدة لدى المواطنين السعوديين بشكل عام، ولدى المثقفين والإعلاميين منهم بشكل خاص، حيث تساءل عدد منهم عن كيفية قيام مثل هؤلاء الإرهابيين باختطاف دبلوماسي يمثل دولة وازنة ومهمة في العالم العربي والإسلامي ولها حضورها المشهود له على الخارطة الإقليمية والعالمية، وما هو الثمن الذي يمكن دفعه مقابل تحرير الدبلوماسي المختطف، وهل سيكون هناك صفقات أو تسويات او خضوع من قبل الدولة لابتزاز هذه الجماعات الإرهابية التي من الممكن ان تكرر هذه الواقعة في زمان آخر ومكان مختلف، ما يستوجب الحزم معها بشكل لا يقبل المساومة، فالدولة الواثقة بدورها ووظائفها ومسؤولياتها تجاه رعاياها لا يمكن أن تقبل بالمساومة والتسويات والصفقات عندما يتعلق الأمر بمصير احد رعاياها عموماً وأحد مسؤوليها الرسميين خصوصاً، وبالتالي لا يمكن ان تخضع لأي شكل من اشكال الابتزاز، خاصة عندما يتعلق الأمر بحالة اختطاف تنفذها جماعات إرهابية ضد مسؤول ما وتقوم بمساومة الدولة على حياته والدولة القوية لا تستفز او تبتز ولا تعطي فرصة او دعاية مجانية للخاطفين. " الرياض" وقفت على حادثة خطف نائب القنصل السعودي في اليمن الدبلوماسي عبدالله الخالدي، واستطلعت آراء عدد من المثقفين والإعلاميين والمختصين في شؤون مكافحة الارهاب والجماعات المتشددة. (الجماعات الإرهابية لا تحترم الوعود) حيث تحدث ل"الرياض" الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر رئيس مركز الخليج للبحوث والخبير الإستراتيجي، وأفاد ان قيام التنظيمات الإرهابية باختطاف المسؤولين الرسميين وموظفي الدولة، وبالذات ممثلي الدول العاملين في السلك الدبلوماسي في الخارج هو اسلوب ليس بجديد في المواجهة مع النشاطات الإرهابية ومن المعتقد ان تنظيم القاعدة بالعراق كان مسؤولاً عن مئات من عمليات اختطاف المسؤولين الرسمين والدبلوماسيين الاجانب بين اعوام 2003-2006 م وجرت العادة ان تتركز مطالب الارهابيين على شقين اساسيين : هما المطالب السياسية ، والمطالب المادية ، والمطالب السياسية تمثلت بمطالب تغير المواقف السياسية للدولة اتجاه قضايا محددة، او الى مطالب اطلاق سراح عدد من المسجونين بقضايا تتعلق بالنشاطات الارهابية، وقال الدكتور الصقر ان هذه المطالب تركزت على المطالب المادية على دفع فدية مالية كبيرة، وفي حالات كثيرة تضمنت المطالب كلا الشقين وبشكل متلازم، أي المطلب السياسي والمادي ، وخلال السنوات الماضية تحولت المطالب المادية التي تلازم عمليات الاختطاف الى حد المصادر الاساسية التي تلجأ اليها الجماعات الارهابية لضمان تمويل انشطتها غير القانونية. وأضاف ابن صقر ان المشكلة التي تواجهها مؤسسات الدولة تتركز على انعدام الثقة بين طرفي التفاوض، فالجماعات الارهابية هي جماعات اجرامية لا تحترم الوعود والاتفاقيات وتقوم بتوسيع سقف مطالبها كلما ظهر تساهل او استجابة من الطرف الآخر، فمن خلال الدروس التي تم تسجيلها حول ممارسة فروع تنظيم القاعدة في العراق، وفرع التنظيم في المغرب العربي فإن التنظيم نادراً ما يوفي بوعوده او يحترم مضمون الاتفاقيات، فدوافع عملية الاختطاف السياسي يلازمها البعد العقائدي ولا تختلف بشكل جذري عن عملية الاختطاف الإجرامي من قبل الجماعات الاجرامية المنظمة او غير المنظمة والتي يكون دافعها الوحيد والاساسي هو ضمان الربح المادي، ووجود البعد العقائدي يعقد عمليات التفاوض بشكل كبير، حيث يبرز عنصر الرغبة في الانتقام من الدولة عبر الانتقام من الضحية،واشار ان معظم الدول تكون حذرة من عمليات التفاوض مع الجماعات الارهابية، وخاصة ظاهرة عدم الوفاء بالوعود او الاتفاقيات. واختتم الدكتور عبدالعزيز بن صقر بقوله ان ظاهرة رفع سقف المطالب بشكل مستمر من اجل تعجيز الدولة وإظهارها بموقع الفشل في تحقيق نهاية تفاوضية لعملية الاختطاف، هدف الجماعات الارهابية هو الحصول على دعاية مجانية، واستغلال عملية الاختطاف لأغراض الكسب الإعلامي، لذا فإن امكانية النجاح في عملية التفاض وعقد الصفقات بين الدولة والمجموعات الارهابية للتعامل مع حالات الاختطاف السياسي هي امكانيات محدودة جداً. إحدى السيارات المتفحمة جراء الهجوم الإرهابي على مجمع المحيا (حرب طويلة مع التنظيم) وتحدث ل"الرياض" حول هذا الموضوع الاستاذ منصور النقيدان الكاتب السعودي والمتخصص في قضايا الارهاب وقال ..اختطاف القنصل السعودي في اليمن لم يكن أولى محاولات التنظيمات الإسلامية المسلحة، فقد سبقه محاولات عديدة لاختطاف مسؤولين سعوديين وقد شهدت الأعوام 2003، و2005، والعام 2009 محاولات داخل السعودية كانت أهدافها مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى. وقبل ثمانية عشر عاماً أي في 1995، كانت المحاولة الأولى الفاشلة لاختطاف رجل أمن سعودي من منزله، وقد ألقي القبض بعدها على المتورطين وأعدم واحد منهم، وقد شهدت السعودية محاولات فردية ومنظمة مشابهة، ومنها ما سرب إلى وسائل الإعلام ومنها ما بقي حتى اليوم حبيساً في أدراج التحقيق. وأضاف لسوء الحظ أن كل التباشير التي زفها من يصفون أنفسهم بالخبراء والمحللين في العام 2011 عن انتهاء عصر القاعدة لم تكن إلا ضرباً من الأماني، لأن ما يغذي القاعدة وينميها ويسمح لها بالتمدد وكسب الأنصار هو عوامل أخرى لا شأن لها بأحلام الديمقراطية أو بالثورات السلمية أو بانهيار أنظمة فاسدة ومستبدة، لهذا رأينا الإرهابيين يترعرعون في بريطانيا، وفي شمال أوروبا، ويحاولون أن يجدوا لهم مرتعاً خصبا داخل الأراضي الأمريكية. وأكد ان دولاً وأنظمة لها مصلحة كبيرة في أن تستمر القاعدة ويتغلغل مقاتلوها، والمجندون الذين ينضمون إليهم ممن لديهم الاستعداد للانخراط في أنشطة القاعدة وزعزعة أمن دول بعينها مثل السعودية، فعلينا أن نعرف أنها حرب مستمرة وباقية قد تستمر عقوداً لا سنوات، تستخدم فيها القاعدة كل الوسائل الممكنة. الجماعات الإرهابية تحاول توظيف الاختطاف للحصول على دعاية مجانية واختتم قائلاً لا شفاء لليمن السعيد من حالته البائسة التي يعيشها، وأي حديث عن تطور أو تحول إيجابي اليوم فهو أماني لا أرض لها، ولا سبيل لتحقيقها. ولأن اليمن منذ سنوات يعيش تدهوراً في كل أوجه الحياة، فإن اليأس وفقدان الأمل وشبح المجاعة يجعل الناس على محك التحدي والامتحان لقيمهم وأخلاقهم وفروسيتهم وبقايا النبل الذي توارثوه عن أسلافهم.لهذا فلا أمل يلوح في الأفق، وعلى السعوديين وغيرهم من الدول المستهدفة أن يوطنوا أنفسهم لحرب طويلة مع هذا التنظيم، في الداخل والخارج. (الاختطافات أسلوب معتمد في القاعدة) كما تواصلت "الرياض" مع الاستاذ سعيد عبيد الجمحي الخبير والباحث اليمني في شؤون الجماعات المتشددة حول فحوى هذه القضية وتعقيداتها وخطورتها وقال: اعتمد تنظيم القاعدة منذ نشأته على استراتيجيات محددة لم يكن من ضمنها ممارسة أسلوب الاختطافات، ولكن نتيجة عدم وجود مرجعيات دينية مؤهلة بين قيادات التنظيم ورموزه، أوقع التنظيم فوضى الاجتهادات والتي خضعت في الغالب لأهواء وخلفيات تلك القيادات... وبعد انضمام تشكيلات ارهابية أخرى الى التنظيم، ومع عدم وجود ضوابط شرعية يلزم بها التنظيم فروعه، والاكتفاء بمنجز التمدد والتوسع الذي كان هو الهم الأكبر لدى مؤسسي القاعدة ،مما ولد ما يمكن وصفه ب(التحرك خارج الحدود الشرعية )....فبرزت ظاهرة الاختطافات كأسلوب اعتمده تنظيم القاعدة. ومن هنا بدا تنظيم القاعدة كجماعة براجماتية بحتة، يمكنها ممارسة وتبني أي وسيلة لتأكيد حضورها وتغذية عملياتها ، ولو مع غياب السند الديني والمرجعية الشرعية لتلك الممارسات ، مادامت تحقق ( الغايات). الدبلوماسي عبدالله الخالدي وأضاف يعتبر فرع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، نموذجاً صارخاً للفصل – بل والتناقض - ما بين مزاعم تنظيم القاعدة باستناده على المرجعية الاسلامية، وبين الممارسات العملية ، من خلال قيامه بالعديد من عمليات الاختطافات، التي صارت جزءاً من تكتيك تنظيم القاعدة. وهناك العديد من الوثائق ومحاضر الاعترافات التي أدلى بها بعض من تم القبض عليهم من عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ، تؤكد بأن هناك ارتباطا وثيقا بين ما يقوم به التنظيم من اختطافات وبين الصفقات السرية والمشبوهة، والتي تعكس مدى ما وصل اليه الارهابيون من انحدار في الفكر والممارسة. وبين ان تنظيم القاعدة في اليمن ، وبعد أن صار تنظيماً معتمداً من التنظيم الأم في أفغانستان ظل يؤكد للآخرين بأنه جماعة تحركها الغيرة على الأمة الاسلامية ، ويهدف لاستعادة الحقوق المسلوبة من أبناء الأمة. ولكن حالة التناقض من بين الشعارات والممارسات، والتي صارت ظاهرة لازمت تنظيم القاعدة، وكشفت هشاشة التنظيم وأربكته أيضاً، وبدت جلية في عملية خطف نائب القنصل السعودي، حيث كشفت عن عدة جوانب من الهبوط الأخلاقي والإنساني والديني لدى هذا التنظيم. اختطاف الخالدي ، كان ضمن حلقة من مسلسل العمليات الارهابية التي يحاول تنظيم القاعدة أن يؤكد من خلالها حضوره وقوة عضلاته، وهي جزء أيضاً من التصعيد والدفع بالبلاد نحو الفوضى وحالة خروج اليمن عن السيطرة، والتي يسعى تنظيم القاعدة لتأكيدها للامريكيين، بهدف استدراجهم لتحويل اليمن الى بؤرة صراع، وإشعال المنطقة، كما حصل في العراق. واختتم قوله ان عملية الاختطاف جاءت لتغطية الانتكاسة العسكرية التي مُني بها التنظيم في منطق لودر، حيث عجز عن الاستيلاء على أقرب منطقة الى مركز تواجده في محافظة أبين، رغم ما بات يمتلكه التنظيم من عتاد عسكري غير مسبوق. ومن جانب آخر تكشف المطالب التي تقدم بها تنظيم القاعدة مقابل الافراج عن الخالدي، عجزاً داخلياً يعاني منه التنظيم، لاسيما بعد أن صار يسيطر على مناطق كاملة تتطلب نفقات كبيرة لتغطية احتياجاته لتسيير شؤون تلك المناطق،ليتمكن من الاستمرار في مغالطة المواطنين بأنه قد استطاع أن يجعلهم ينعمون بما حرمتهم منه الدولة، وينجح في كسب تعاطفهم وتجنيد أبنائهم لمشروعه الارهابي.... وعموماً ، فان ممارسة الاختطافات صارت منهجاً متبعاً لدى تنظيم القاعدة ، يتجاهل من خلالها الارهابيون النصوص الشرعية التي حرمت أخذ المال بغير حق، كما أوقعتهم في حرج مع الجماهير التي تستهدف القاعدة اقناعهم بمشروعية التنظيم، في حين يهتك هذا التنظيم حق العيش بحرية، كفلتها للبشر كافة الأديان السماوية والقوانين البشرية. د.عبد العزيز بن صقر منصور النقيدان سعيد الجمحي