نزعة الانفصال بذرة موجودة في بلدان متقدمة، وأخرى متخلفة، لكن الرابط والقاسم المشترك جعلا الفصل يتم بين جنوب وشمال، وقد رأينا مجريات التاريخ قسمت الألمانيتين، والكوريتين وفيتنام، وكذلك النزعة نفسها عند الطليان والأسبان، والفرنسيين عندما تمردت جزيرة «كورسكا» للمطالبة بالحق نفسه.. في الوطن العربي، لا تقوم نزعة الانفصال وفق التراضي مثلما حدث بين التشيك، والسلوفاك، بل تجري وفق أثقال تاريخية بعضها تهميش قومي مثلما جرى في العراق للأكراد، والذين يعدون دولتهم الشمالية وفق قانون الواقع، بينما في اليمن اعتبر الجنوبيون أن وحدتهم جاءت قسرية، وأنهم الإقليم الأكثر تطوراً من الشمال، وفي لبنان لا يزال حزب الله لديه الرغبة نفسها في إعلان دولته، مثلما كان المارونيون يدعون لدولة الجبل وبعض الساحل، كذلك التطابق والدوافع تجري في ليبيا ما بعد الثورة وبنزعة أقرب إلى التجمع القبلي والأرومة الواحدة.. سوريا بحكومة الأسد، تخطط لدولة الساحل شمال سوريا، وأجندتها بدأت مع الاستعمار الفرنسي، ولا تزال الرغبات تتجسد مع الحالة الراهنة، والدلائل تؤكد أن توالي الضربات على حمص، وتشتيت سكانها مرحلة أولى لملئها بالعلويين لتكون عاصمة الدولة القادمة.. في الدول المتقدمة تعالج الأمور في إطار الدساتير والحوارات المستمرة لتقرير المصير، باعتباره حقاً يمكن التصويت عليه، وباستثناء ما أحدثته الحروب وفرضت التقييم، كما في ألمانيا، والكوريتين، فالأمور توضع ضمن دائرة القانون.. عربياً لازلنا نعيش واقع «سايكس - بيكو» عندما فُرق الوطن العربي بواسطة دولتين استعماريتين، لكن الذي يجري الآن، يأتي من خلل بنيوي اجتماعي وسياسي واقتصادي، إذ أصبحت الدكتاتوريات العسكرية التي أقامت حكوماتها على الفصل بين المجتمع الواحد، وبناء سلطاتها على مبدأ «فرّق تسد» هي التي ساعدت على نمو الظاهرة وتكريسها تحت العديد من الأعذار، وقد تلبسنا حالة المؤامرة منذ أزمنة طويلة، لكن حين نرى عجز بريطانيا تجزئة الهند وتعايش الدولة الكبرى ضمن قانون ديموقراطي تعددي، هو الذي حماها من التشتت والانفصال، ونفس الشيء مع دولة مثل الصين تتعدد فيها القوميات والأقليات، وباستثناء الاتحاد السوفيتي الذي خلق دولته العظمى بالضم، ثم الانفصال، فإن الوطن العربي، رغم كل عوامل الوحدة الوطنية، نجد نزعة التقسيم جزءاً من رغبات بدوافع طائفية، أو قبلية وقومية.. في الجزيرة العربية والخليج نموذج وحدة المملكة كان نادراً في التاريخ العربي الحديث، وكذلك نموذج الإمارات العربية المتحدة، وهما ركيزة عمل كبير، إذ كان الملك عبدالعزيز رحمه الله عقلاً فذاً في استمرار حكم أجداده وبناء دولة حديثة في تشكيلها وتشريعاتها، وقدراتها الاقتصادية، لكن عدا ذلك فكل الأمور تجري وفق المصادفات وحالات الاحتقان..