ما يزال جيل السبعينيات والثمانينيات الميلادية يتذكر نصوص مادتي القراءة والأناشيد، لاسيما تلك التي حظيت بالطباعة الحديثة ذات الألوان الجذابة والرسومات التوضيحية، كما لا زال أبناء ذلك الجيل يذكرون جيداً النص الأول لمقرر القراءة للصف الثاني ابتدائي المعنون ب"ناجحون"، حيث يستقبل هذا النص الطلاب بعد إجازة صيفية طويلة يلزمهم الأستاذ حينها بكتابة نص "ناجحون" مرة أو مرتين، وكأنه كلف طلابه بكتابة المعلقات العشر ، حيث كانت كتابة النص بعلامات الترقيم وأدوات التشكيل غاية في الجهد لاسيما، وهو ينتقل بالطالب من كتابة الحروف والكلمات في الصف الأول ابتدائي إلى كتابة قطعة أو نص كامل؛ ليدرك حين يقلب كتابه الجديد أنه سوف يرضخ لأوامر أستاذه في كتابة نصوص أخرى ك"القرد والنجار" و"أسماء تتعلم الخياطة" و"الحمامة والنملة" و"الثعلب الطماع". كانت هذه النصوص وما زالت عالقة في ذاكرة أبناء ذلك الجيل كما كان نص "طه والطبلة" عالقاً في ذاكرة جيل سبقه بعقد من السنين، كما كانت قصص "بادي وسعيد" التي ترفق بعلب التغذية المدرسية مبتغى طلبة المراحل الابتدائية والمتوسطة، لا سيما وهي تشمل مسابقه أعلام الدول العربية التي توزع بملصقات يقوم الطالب بوضعها في مكانها المناسب لكل دولة علمها الخاص، كما كانت حافلة الطلاب التي تقلهم إلى مدارسهم ومنها إلى منازلهم علامة فارقة في شوارع المدن لا سيما الكبرى منها، وحينها كان الطلاب المتميزون يحرصون على المقاعد الأولى في "الباص" بينما يرى "العرابجة" أن جلوسهم في المقاعد المتقدمة هو ضعف وخور، بل خارماً من خوارم المروءة، وعلى النقيض كان اجتماعهم في المقاعد الخلفية دليلا، بل وعلامة من علامات الفتوة حتى إن زوايا المقاعد الخلفية في الحافلة كانت شبه محجوزة لأكبر الطلاب سناً وأضخمهم حجماً وطولاً، ومن هنا كانت الأهازيج لاسيما في فترة الظهيرة وقت إيصال الطلاب إلى منازلهم تصدر من المقاعد الخلفية وحينها لك أن تشنّف أذنيك وتطرب مسامعك بأهازيج السامري والهجيني وإن شئت سماع الينبعاوي فثمة من سيستجيب لك، في حين كانت حافلات الطالبات لا تخلو من تبادل سجلات "الأتوجراف" ومحاولة قطف ما تستطيع الطالبة قطفه من ورود الفل والجوري حين وقوف الحافلة عند بعض المنازل ذات الأشجار الباسقة. كانت الطالبات يجتهدن في اختيار حقائبهن المدرسية ذات الألوان الزاهية والورود اليانعة، فيما وجد الطلاب في سجادات "أمهاتهم" حرزاً مثالياً لكتبهم ودفاترهم التي طالما عانت من عاديات الزمان وأعذار الهجر والنسيان، لا سيما حين تربط وتحزم في رباط مطاطي يسهّل حملها واحتواء مرفقاتها. طلبة النظام كان طلبة "النظام" المدرسي الذين يتعاونون مع إدارة المدرسة لمراقبة زملائهم الطلاب لا يحظون بصداقات حميمية مع زملائهم الآخرين الذين يرون في عملهم الرقابي ضرباً من التجسس عليهم لصالح إدارة المدرسة، بل كان الانتساب لطلبة النظام يعتبر بعرف طلبة ذاك الزمان -وربما حتى الآن- قطعاً لجميع أواصر الأخوة والزمالة بل نقضاً لعهود الزمالات وطعناً في روابط الصداقات. كان طلبة "النظام" أو التفتيش معروفين لدى زملائهم بصفات لا يجهلها حتى حديثي العهد بالمدرسة، فهم وإن كانوا مقربين للإدارة، إلاّ أن التزامهم بفصولهم أقل من زملائهم، كما أن تواجدهم قرب مكتب المدير ونائبه من علامات انتسابهم لمهمتهم، ناهيك عن أن وقوفهم وإشرافهم على توزيع علب التغذية والملابس الرياضية وكافة النشاطات المدرسية يعد دليلاً آخر تستطيع معرفتهم من خلاله، كما أن حضورهم المستمر في الأنشطة الطلابية والإذاعة المدرسية يدلل أكثر على التزامهم في أداء أعمالهم وصدق متابعتهم لتصرفات زملائهم الطلاب، بل ستعرفهم أكثر من حديثهم المتعالي، فهم يتحدثون معك بنبرة الأساتذة ويرمقونك بنظراتهم الحادة وليس ذلك عائداً لجرأتهم بقدر ما يعود لمكانتهم وقربهم من صناع القرار، كما وصفوا بسرعة الخطى في حركتهم وتنقلهم مع صمتهم المريب وقربهم من المدرسين وتواجد أسمائهم في طليعة أسماء الطلبة المكرمين والمرشحين للزيارات الميدانية، وبسبب عملهم ب "النظام" فهم لا يخرجون مع الطلبة أثناء "الطلعة"، بل يتأخرون عنهم أو يتقدمون أحياناً لأسباب لا يجهلها الطالب الفطن.