"إنت كيف تفكر؟!" مجرد ما تسمع هذه الجملة، ستظن أن قائلها يحتكر سقف التفكير أو أن الموجهة إليه هذه الكلمة مستفز بطريقة مناقشته! وهي جملة نطلقها كثيرا حين يتعبنا النقاش أو حين يصور لنا عقلنا أن الهدف الوحيد من أي حوار هو فرض رأيك على الآخرين والصراخ به في وجوههم. ولن ندخل في حديث مكرر عن أساسيات الحوار وعن أهمية الإنصات للآخرين قبل محاربة أفكارهم. رأي أي إنسان ليس ملزما، بمعنى أنني كمنصت أو متلقٍ أو كطرف مشارك في النقاش لست ملزمة بالموافقة على هذا الرأي، لكن هو يملك حق إبداء الرأي وأنا أملك حق الاختلاف معه أو تفنيده أو الموافقه أو حتى تجاهله. كما أنني لست ملزمة أيضاً بأن أقف على الجانب الآخر وأخالف وأعترض لمجرد الاعتراض. مشكلة البعض انهم ينشغلون عن الفكرة والرأي بالنظر لصاحبها لذلك تجدهم مشغولين جدا بالنوايا، وتكثر مفردات معينة في خطابهم مثل أجندة خفية أو دعوة ظلامية أو جهل ورجعية وهي كلها اتهامات عامة تشغلهم عن الموضوع الأساسي محل النقاش. فالأفكار الجيدة ليس بالضرورة أن تأتي من شخص نتفق معه تمام الاتفاق والآراء المناسبة ليس بالضرورة أن تأتي من الجماعة التي نستأنس بالحديث معها، فالآخرون يفكرون أيضا ولهم أراء وأفكار مناسبة جدا فيما لو فتحنا عقولنا قليلاً ونظرنا للفكرة أو الرأي بتجرد وبدون ظن سيىء لمجرد أن صاحبها لا يوافق الصورة التي يحملها عقلنا أو يتقبلها. ولننظر مثلا لموضوع المرأة فأي قضية تخصها تقع بين طرفي نقاش كل منهما يتهم الآخر إما بأنه ظلامي أو تغريبي، تضيع القضية وسط كم من الاتهامات ويبقى الحال كما هو عليه والأمثلة كثيرة؛ معاملات الطلاق، النفقة، قضية المعلقات، قضية التمكين الاقتصادي للمرأة. بعض من يناقشها من المنتمي لهذا التيار أو ذاك لا يناقشونها بمنطق من يريد أن يجد حلاً بل بمنطق من يريد أن يسجل هدفاً في مرمى غريمه الفكري على حساب المرأة. أشعر بأن الخطاب الفكري والاجتماعي للتيارات الفكرية المختلفة الموجودة على الساحة المحلية بحاجة للنضج، وان الأولويات بحاجة للترتيب من قبل كل التيارات المشاركة في صناعة الوعي الاجتماعي وأن على هذه التيارات أن تتعلم كيف تتعامل مع بعضها بدون حساسية وسوء ظن ومعارك مكررة السيناريو.