بعد قطيعة امتدت لفترة طويلة مع الأندية الأدبية عاد مجدداً الدكتور عبدالله الغذامي محاضراً في النادي الذي شهد بدايات انطلاقاته الثقافية والأدبية، مستهلاً أول نشاط منبري لنادي جدة الأدبي، حيث ألقى محاضرة حملت عنوان " التحولات الثقافية : ثقافة مابعد العولمة " مساء يوم أمس الأول، وتأتي الطروحات التي قدمها الغذامي في محاضرته امتداداً لمواقفه المتحولة التي سادت في أطروحاته الأخيرة حين أعلن عن انتهاء مصطلح المحلية وسقوط الخصوصية مستعيداً مقولة " إذا كان بيتك من زجاج فلا تستحم " وكان الدكتور الغذامي قد فند وهم الخصوصية التي يراها البعض مجموعة من الصفات التي سرعان مانكتشف أنها مشتركة للحقب التاريخية، واستدل بخصوصية الملبس وطريقة الجلوس التي بمجرد التأمل نجد أنها نشأت لظرف يزول بزوال نشوئها. وتناول الغذامي في محاضرته التي ألقاها في نادي جدة الأدبي القيم العليا التي يرى أنها تنشأ عادة لأجل أن تصنع منا تاريخاً، في حين أن هذا مايحدث عند الآخرين، وبالتالي فهي ليست خاصة لك، وحدد الغذامي قيام الخصوصية على فرضية الآلية الواضحة والواقعية والتي هي هوية وثقافة. ولم يكتف الغذامي بإسقاط الخصوصية بل أعلن سقوط العولمة والمحلية اللتين سقطتا معاً لوصولهما لأقصى حد وأعاد مايحدث حالياً لارتقاء كل المسارات للعولمة، في مقابل ذلك انزوت المحلية فسقطت، لتحل وبدون اختيار التعددية الثقافية وتعددية الهويات، وأعاد سقوط المحلية والعولمة لعدم واقعيتها وأنها غير قابلة للممارسة. وعرض الغذامي لنماذج من الفكر الأوروبي الذي يراه كتاباً واحداً، وأشار لتجربة الإسلام فوبيا والرسوم الدنمركيه والحجاب،، وتناول الغذامي مفهوم الحريات الذي يراه أخطر القضايا والمفاهيم متماهياً مع مفهوم جون ستيوارت في الميل إلى أن الحرية في أصلها شأن فردي، وعرض لمفهوم الحرية قبل الزواج وبعده حين تتناقص إلى النصف بعد الزواج عنها قبله، نتيجة التنازل الطوعي للطرف الآخر، مشبهاً الوطن والمجتمع بالعائلة الكبرى، وقال إن برتنارد راسل قد نظر بذكاء في مفهوم الحرية في أعلى درجات العز السياسي لأوروبا ملاحظاً ارتباط الحيوية مع الحرية قائلاً إنهما إذا اجتمعتا فاضتا بالضرورة وكانت نتيجتها احتلال أوروبا لآسيا وأفريقيا، طارحاً مفهوماً جديداً للحرية حين قال إن التعريف للحرية لا يكون إلا بمعناها السلبي، وعرج الغذامي على موقف الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - من المشركين بعد الفتح حين صنع تاريخا للمستقبل ومقولة مي زيادة " حررني كي تتحرر ". وفي المقابل تناول ظاهرة الاحتساب كقضية محلية وأقر حق المحتسب شريطة أن لا يتجاوز دوره، ضمن معادلة المحتسب والشرطي والقاضي كمكونات وضوابط لعدم التجاوز معيداً الإشكالات التي تحدث نتيجة اختلاط الأدوار قائلاً ان من حق المحتسب أن يعترض ولكن الذي ليس من حقه هو المنع، وأكد الغذامي على أن مفهوم الحرية إجراء عملي، وأن الدور الذي نملكه، هو تقديم القيمة الأخلاقية للعالم، رافضاً فكرة الغزو الفكري والثقافي لأنه يرى أننا لا نقع في دائرة اهتمام العالم، وقال إن الذي يحدث هو العكس حين يأتي الغزو الفكري والثقافي منا إليهم. وأكد الغذامي على مرحلة مابعد العولمة التي لاتحمل اسماً وشكلاً محدداً، وتناولت المداخلات التغيرات ومدى تحول الغذامي إلى واعظ الذي أنكره بالمطلق في حين استثاره تساؤل إحدى الحاضرات عن مدى توافق مصطلح الحرية مع الليبرالية مقسماً أنه لا يعلم توافر مصطلح الليبرالية في أي سعودي وإلا لما تردد في إعلانه في كل منبر، واتفق مع طرح أحد المعلقين حول تكريس فكرة الشك، باعتباره جزءاً من إشكالات الثقافات التي تتحول إلى فوبيا، معيداً ظهور مصطلح الإسلام فوبيا للقياس الذهني ومفاهيم الغزو الفكري كحالة شك، وذهب إلى قيام النسق على تأبين التاريخ والثورات كأحد الممارسات التي تغلف واقعنا. جانب من الحضور