وصف الدكتور عبدالله الغذامي ممارسة الحرية الفردية ب"الحق المطلق" بشرط ألا تؤدي إلى التأثير على حق الآخرين بالمقدار نفسه من الحرية. وتطرق الغذامي في محاضرته التي ألقاها في نادي جدة الأدبي الثقافي مساء أول من أمس بحضور حشد كبير من المثقفين تحت عنوان "التحولات الثقافية، ثقافة ما بعد العولمة" إلى قضيتين جوهريتين تمسان بشكل مباشر القضايا الثقافية التي تشغل بال المجتمع العربي والسعودي على وجه الخصوص، هما انتهاء عصر الهويات واستحقاقات الحرية. ووصف الغذامي وضع المجتمعات الإنسانية فيما بعد العولمة بأنها تعيش في بيت من زجاج، فالمحلية قد انتهت، وقال: "نحن كائنات كونية، وبالتالي فإنه لا معنى للخصوصية، لأنه لا توجد أية خصوصية لأحد ما دام مكشوفا أمام الآخر، فالخصوصيات التي ندعيها يمتلكها غيرنا أيضا، وبما أنها تقوم على فرضيتين غير حقيقيتين، هما أننا ننتمي إلى هوية واحدة وثقافة واحدة، لكن الواقع يكشف لنا عن تعدد في الهويات والثقافات، وبذلك – كما يرى الغذامي- لا يملك "السعودي" إن أراد أن يكون له مكان في هذا الكون إلا أن يكون جزءا من العالم". وأضاف الغذامي أن الإسلام هو دين عالمي لا يخصنا وحدنا، وكلما كان الإسلام عالميا كشف عن طبيعته كدين لجميع البشر، لذلك فإن تعبير أنا "سعودي مسلم" يتناقض مع الرسالة ولكونك سعوديا يتوجب عليك أن تكون عالميا. ولم يترك الدكتور الغذامي ثغرة المشاكل التي يسببها تعدد الهويات التي وصفها بأنها حادثة، حتى داخل العائلة الواحدة، وقال: إن العولمة والمحلية سقطتا، فقد حاولت العولمة أن تصيغ العالم بنموذجها العام فتطرفت في توجهها هذا إلى حد انكسارها، وانزوت المحلية إلى داخل خبائها فأصابها العمى، ومع انهيار هذين المعلمين حل بدلا منهما تعدد في الهويات والثقافات، لكن يجب ألا يفوتنا أن لهذا التعدد مشكلاته أيضا، مشيرا في هذا الإطار إلى ما حدث خلال العشرين عاما الماضية والتي تكشفت عن وجود خوف لدى الغرب من الإسلام "الإسلام فوبيا"، وهو نتيجة من نتائج التعددية الثقافية. وهون الدكتور الغذامي من قضية الغزو الفكري، مذكرا أننا نحن من يبحث عن الغزو الفكري ونجري وراء الأفكار الغربية. وعلى الرغم من تغييب العامل الاقتصادي في محاضرة الغذامي إلا أنه أشار إلى أن الثقافة تتغذى من عناصر غير ثقافية، وهي تتحول إلى معطى ثقافي. يشار إلى أن الدكتور الغذامي كان قد قاطع الأندية الأدبية على خلفية التعيينات التي قامت بها وزارة الثقافة والإعلام منذ سنوات، وصرح حينها أثناء انعقاد جلسات ملتقى النص بجدة ل "الوطن" بأنه اتخذ قرارا بعدم المشاركة في نشاطات الأندية الأدبية ما لم تقم انتخابات لاختيار مجالس إداراتها، وظل الغذامي منقطعا عن الأندية الأدبية حتى الانتخابات التي جرت هذا العام، وهذه أول محاضرة له في نادي جدة الأدبي بعد تلك القطيعة.