قال أشعب لزوجته مبتهجاً: لقد رأيت البارحة في المنام أني منحت أرضاً وبنيت عليها بيتاً من صفيح.. صاحت زوجته وقد بدت أسنانها الملوثة بالدخان وقالت: صفيح صفحّ الله راسك وجعله مربعاً كصفيحة الجاز.. لماذا صفيح يا قليل الحيلة.. إن أصحاب المكارم كرماء وماداموا منحوك أرضاً فلماذا تظن أنهم لن يكرموك بمستلزمات البناء.. لماذا أنت بخيل شحيح حتى في أحلامك.. لماذا تحلم بالصفيح لا صفح الله عنك..؟ قال أشعب: يا زوجتي العزيزة اصفحي عني، لقد فات عليّ أن أحلم بما تشائين..!! ولكن لماذا هذه القسوة عليّ لماذا تؤلمينني بهذه الدعوات المنكرة. فتصوري لو أن رأسي صار مصفحاً مربعاً كالتنكة فكيف سأنام بجانبك.. كيف سأضعه على الوسادة..؟! كشرت عن أنيابها وقالت: تباً لك.. فمتى كان عهدك بالوسادة والوسائد.. إنك تحمل رأساً كرأس القنفذ. وتنام في أي مكان تسقط فيه.. فمالك ومال هذه الأمور؟ وسواء كان رأسك كرأس النعامة.. أو كرأس البغل.. وسواء كان كالتنكة أو البرميل. فإنه بكل تأكيد رأس لا نفع ولا خير فيه.. ضحك أشعب ضحكة موجعة.. فرغماً عن صبره وحلمه الواسع، إلا أنه تضايق من سخرية زوجته وتحقيرها له فاعتدل في جلسته وقال: هبي أنني لم أحصل إلا على الأرض فكيف لي أن أبنيها بغير الصفيح.. هل ستضمنين ان أحداً سوف يوفر المال الذي سيبني لك قصراً.. أم أنك ستدعمين هذا المشروع من ما ورثتِه عن المرحوم أبيك.. الذي كان مسؤولاً. فنهب وسلب، وشد وقطع، وعبأ وخبأ، ونبَّت ووّرث؟.. أم من المال الذي ضاقت به خزائنك بسبب تجارتك في سوق الأسهم أو في سوق «الغسيل» أو في سوق الأغنام أو في أي سوق يعجبك..؟ المؤكد يا زوجتي العزيزة انك لم تربحي ولن تربحي إلا في سوق المهاشة والسباب، والمخاصمة.. فأشهد أن لك لساناً لو وضعته على الحجر لانفلق.. ولو وضعته على الحديد لذاب.. بل لو وضعته على برج من هذه الأبراج الشامخة التي بناها (فراعنة المال) وعتاولة العقار لانهار دفعة واحدة.. فكفي بالله عليك وأريحيني من كلامك السام، ومن لسعات لسانك التي هي أشد من لسعات الأفاعي والعقارب.. ودعيني أفكر على مهل في طريقة بناء البيت وتشييده، بالصفيح، أو حتى ننصب خيمة إلى أن ييسر الله أمر البناء، إن لم يكن في وقتنا فلأحفادنا الذين سيرثون الأرض من بعدنا.. ثم اعلمي يا عزيزتي أولاً وأخيراً ان لكل شيء حدوده المسموح بها حتى في الأماني والأحلام..!! فكفي واكفيني شرور سفاهاتك ومكارهك ومزالق لسانك الخطرة.. إنني أريد أن أعيش على الستر والكفاف والبعد عن القيل والقال فأنت تعرفين ما وراء ذلك.. كحت زوجته ثلاث كحات وقالت بمقت: لحا الله وجهك أيها الصعلوك الفقير، الحقير، الكحيان.. إنك حقير، وفقير، وجبان، حتى في أحلامك وأمانيك.. ما كان ضرك لو حلمت كما يحلم الرجال الطموحون كن رجلاً كالرجال.. كن رجلاً مرة واحدة ولو في أحلامك وأمانيك..