ينبهر الشرقيّ إذا ذهب إلى أوربا ، ويرى مدنا وقرى ينتشر فيها الرضا ويقل الخوف البقاع مليئة بناطحات السحاب، والمصارف، ومصانع الساعات الثمينة، ومواقف السيارات المنظمة تنظيما يسلب العقول، فهي قوية بمجتمعها المدني المتحضر. والدولة - عندهم - لا تجبر الناس على طاعة الأوامر، فليس ثمة أوامر.. هناك فقط قواعد. أقول من حق أولئك القوم أن يتصفوا بالخصوصيّة التي قد تصل إلى العزلة أو شيء من التكتم أو حب الخلوة إلى درجة التنسّك لا أعتقد أن تلك الشعوب لديها بذرة خوف ، مثلا ، لكنها تمتلك ثقة استثنائية ببيئتها. عندنا في منطقتنا الواسعة ليس الخوف من ذنب - مثلا - أو من حيّة، فالعربي، من أشعاره (يتأبط الشر !). مما يدل على أن الخوف خصلة وسلوك. ومع أننا في العالم العربي نستعمل الكثير من الفيتامينات.. وحشائش المقويات الكورية، فلم يجد الخبراء حتى الآن مضادات للخوف وصاحبنا الخوف منذ زمن. لكنه خوف محبوب.. ! فكنا في الحارات نسأل العابر الغريب: وين رايح ؟ تدوّر على أحد ؟ وتعطيه نظرة فاحصة. وتنظر إلى ماذا يحمل بيديه أو تحت إبطه ( يكون تأبط شرّا .!) الآن مبدأ احترام خصوصية الجوار جعلنا لا نسأل. أكثر الناس يقول : أخاف – لو تدخّلت – من التوقيف للمساءلة مع اختلاف الأسباب. الخصوصية عندهم نابعة من ثقافة وانتقلت إلينا "خصوصية " أوربا ، لكن بدافع الخوف. في صقلية وموناكو السلطات الرسمية ظلّ فقط وكذا في لاس فيجاس، فهذه الأقاليم من الأرض تدير رحى الحياة فيها مجموعات، من العالم السفلي المتخصصة في القمار و.. و.. والسائح هناك لا عليه ولا له ما دام لم يكن ذي ارتباط بما يهدد مصالح تلك المجاميع، ورغم جاهليتهم وفسادهم إلا أن شمس العقل لم تغب، لهذا لا يسمع السائح صراخا ولا تشهيرا ولا إدانات، ولا إعلانات تلعن بعضها الاخرى. شخصيا اود هنا أن أُوقّر القديم في سؤال الغريب في المحلة . ولا أرى فيها مصدر انزعاج للعابر إذا ( ولو فيها لقافه ) سلمتُ عليه وسألته إن كان باستطاعتي أن أُساعده ، أو أُرشده . سيىء القصد عندئذ ستظهر عليه علامة أو علامتان ، وسيضع في ذهنه أن ثمة أحدا رآه، ويستطيع تمييزه. في الغرب يستعملون الكلمة المهذبة ( كان آي هيلب يو ) Can I help you وهي بديل مهذب لسؤال : ماذا تريد. أسئلة كهذه ، أو علامات استفهام تعوّق أو تبعثر عقل ذي النية السيئة . ولا تجرح شعور طيب القصد، لكنها حتما تعوّق أو تُبعثر خطط ذي النية الشريرة.