صراعات تتفجر هنا وهناك، وخلاف ينشب لأتفه الأسباب، ونافخون في نار الفتنة، كلما خبت النار نفخ فيها آخر وأبقاها مستعرة بخبث أو بجهل. لا أستطيع أن أسميه اختلافا فكريا لأنه خلاف فارغ من كل محتوى فكري. خلاف يُقطع أوصال المجتمع، ويقسمهم إلى فريقين متخاصمين يتبادلون الشتائم بدون الإحاطة بمضمون الخصومة. ولأن القنوات تبحث عن مادة تجذب المشاهد فهي تسعى لتبني مثل تلك المعارك الوهمية التي تزيد المجتمع تقاطبا، كما أن الإعلام الحديث ساعد على انتشار مثل تلك الخلافات وبالتالي توسيع قاعدة الخلاف. هذه المعارك تكون عادة موجهة ضد طائفة معينة أو اتجاه معين حتى لو كان طرفها فردا بعينه أو تصرفا فرديا. تستغل أطراف النزاع كل حادثة لتعمم الخطاب الإقصائي الحاد. لقد شهدت تلك الصراعات تحتدم لأتفه الأسباب في أكثر من محفل. النزاع هو هو، ومادته لم تتغير، حتى لقد بدت لي أطراف النزاع كثوري الغابة الشديدين اللذين استعصيا على الأسد الكهل. فلما لم يقدر الأسد عليهما، ذهب للثور الأسود وقال إن الثور الأبيض سيجلب علينا المصائب بسبب لونه الناصع فالسباع ستراه من بعيد وكذلك الصيادون.. ولكن خلافات أطراف الخلاف لا تنتهي بأكل الثور الأبيض بل تأخذ منحى آخر يماثل حلبة مصارعة الثيران الأسبانية. مع اختلاف كبير فليس هناك ميتادور خفيف الحركة ماهر التصويب يحمل الرماح القصيرة ليغرزها في ظهر الثور بعد أن ينهكه في معركة وهمية الخصم فيها لفافة حمراء. لا نرى هذا ولكننا نرى الثورين في صراع مستمر. الملاحظ أن الثورين بلا قرون، أو أن قرونها قد تلاشت بفعل فاعل. ولذلك فصراعها منهك غير مهلك. كدمات، ودماء، وعاهات، وإعاقات، وإنهاك. صراع متواصل لم ولن ينتصر فيه أحد الثورين على الآخر. بحثت عن الأسد الكهل وعن الميتادور العربي فلم أجدهم حيث الصراع. ما لفت نظري في هذا الصراع المرير بين الثورين هو أنه ممتد منذ العصور القديمة.