يقال إن الحب مقبرة الزواج.. ويقال إن أسعد أيام الانسان هي أول سنة فقط بعد الزواج.. ويقول ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر: الحب إذا نكح فسد!! وسواء اختلفا أو اتفقنا مع هذه الأقوال هناك دراسات حديثة تحاول البحث عن الأسباب وشرح ما يحدث في جميع الأحوال.. فمن العجيب مثلا أن تخفت دوافع الحب بين الزوجين بسبب تغيرات كيميائية حقيقية تحدث في الدماغ.. ولكن هذه الحقيقة تم التأكد منها من خلال تجارب ودراسات كثيرة حول العالم؛ فمن جامعة بافيا الايطالية مثلا أجرى الدكتور إنزو إيمانويل تجربة طريفة أكدت علاقة العشق بكيميائية الدماغ.. فقد درس 300 طالب (تتراوح أعمارهم بين 18 و31) لكشف مستويات الحب لديهم وتأثير ذلك على أدمغتهم. وعمد الى تقسيمهم لثلاثة أقسام: الأول واقع في الحب حديثا (أقل من شهر)! والثاني عازب وخالي البال من أي ارتباط عاطفي!! والثالث واقع في الحب منذ فترة عامين وأكثر!! وفي النهاية اكتشف أن المحبين حديثا يملكون مستوى مرتفعا من بروتين عصبي (يدعى اختصارا NGF).. وهذا البروتين مسؤول عن حث الاعصاب على النمو ورفع نسبة التواصل بين الخلايا الدماغية نفسها. وارتفاع مستواه لدى المحبين الجدد قد يكون مسؤولا عن رفع نسبة الحساسية والمشاعر المفرطة بينهم.. نتيجة فرط التوصيل بين المناطق الدماغية العاطفية ذاتها.. أما لدى العزاب الخالين من أي ارتباط عاطفي فظل مستوى هذا البروتين ثابتا عند مستواه الطبيعي.. أما لدى القسم الثالث (المحبون منذ فترة طويلة) فاتضح أن مستواه ينخفض بالتدريج حتى يصل لمستواه الطبيعي بعد عام أو عامين من الزواج والعيش فعليا في حضن الحبيب!! غير أن هذه التجربة لا تخبرنا عن أسباب حدوث التغييرات الكيميائية ذاتها أو اختلاف مستواها قبل وبعد الزواج!؟ ورغم أنني لا أدعي في الحب فلسفة؛ إلا أنني سبق وكتبت مقالا (يمكنك البحث عنه في الإنترنت تحت عنوان: لماذا يكثر الطلاق في بلاد الأحباب) أبديت فيه تعجبي من انتشار حالات الطلاق في المجتمعات التي تسمح بالحب والتعارف قبل الزواج؛ وانخفاضه في المقابل في المجتمعات التي لا يعرف فيه الزوجان بعضهما إلا بعد "ليلة الدخلة".. فدافع الزواج في الغرب مثلا هو الحب والرومانسية والوقوع المسبق في الغرام، أما في المجتمعات الشرقية والمحافظة فالهدف الأول من الزواج هو تكوين الأسرة وتربية الأولاد والحفاظ على اسم العائلة (في حين يأتي الحب لاحقا نتيجة العشرة الجميلة بين الزوجين).. وهكذا حين تتلاشى مشاعر الغرام بين الطرفين (في الحالة الأولى) يختفي الرابط الأساسي للزواج ولا يبقى أمام الطرفين غير الانفصال.. أما في الحالة الثانية؛ فالحب لم يكن موجودا في الأصل ولم يكن الدافع الأساسي للارتباط بالشخص الآخر وبالتالي تستمر مؤسسة الزواج لتأدية رسالتها في جميع الأحوال (وهي تكوين الأسرة وتربية الأطفال) في حين يأتي الحب لاحقا نتيجة المودة والرحمة والعشرة الحسنة! .. على أي حال.. قد لا أكون قدمت إجابة شافية لظاهرة خفوت الحب (عما كان عليه قبل الزواج) ولكنني في المقابل أمنحك نصيحة مفيدة عن أسباب تشكله ونموه وازدهاره بعد الزواج: .. المودة والرحمة والتعامل الحسن لا يمكن أن تقود إلا لمحبة الطرف الآخر!