الوصف الشائع للدبلوماسية الروسية الحالية بين الباحثين في العلاقات الدولية بأنها "فكرة تفتقر إلى الإستراتيجية" والمتابع للسلوك الدبلوماسي الروسي في التعامل مع الأزمة السورية يصطدم بمجموعة من التصورات العقيمة التي تلغي تماما فكرة أن روسيا ممكن أن تكون للغرب وخاصة واشنطن شريكا مرغوباً فيه في إدارة التحديات الدولية، فقد عمدت موسكو على إعطاء حليفها في دمشق مزيدا من الوقت، لتمنحه شكلا من الغطاء والحماية وتمنع عنه التأثيرات الخارجية، وبهذا جعلت موسكو من نفسها قوة مانعة لتطلعات الشعب السوري ومشاركاً في قمع انتفاضته الحرة حينما اتجهت بسلوكها السياسي إلى تحييد العامل الخارجي واستبعاده من منطقة التأثير في الأحداث. وبهذا الفهم أعطت موسكو القوى الخارجية وحدها القدرة على إحداث التغيير، واستبعدت تماما ارادة الشعوب عن التأثير في مسار الأحداث، لتجعل من احتاججه سلوك شغب يجب قمعه، وترى بأن في استبعادها للعامل الخارجي سوف تنتهي ثورة الشعب بالطريقة التي يريدها النظام في دمشق، وهنا غابت عنها الرؤية الاستراتيجية في تعاملها مع الأزمة السورية، فقد كان بإمكانها ان تستفيد من درس الثورات العربية التي انهت الشعوب بها عمر حكوماتها وبمساعدة خارجية، ولو أن موسكو استمعت لصوت الشعب السوري ورأت به حليفاً استراتيجياً وأجبرت نظام الأسد على الاستماع لمطالب الجماهير لخضعت لها ارادة المعارضة وتبعها صوت الشعب أين ما اتجهت. الا أن هذا لم يحدث وظلت موسكو تتبع سياسة رئيس وزرائها الذي بنى حياته المهنية على خط متشدد ضد المعارضة، واحتقر حركات الاحتجاج الجماهرية في جورجيا واكرانيا التي اجبرت حكوماتها على التغيير في نهاية الأمر، وانتقد الربيع العربي واتهم الولاياتالمتحدة بالسعي لتشجيع انتفاضة مماثلة في روسيا من أجل اللعب على المشاعر الوطنية لكي تكون هذه المشاعر في موقع المدافع عن مصالحه في مواجهة اضطرابات محتملة تقوم بها المعارضة في موسكو. على الجانب الآخر من الأحداث وقفت المملكة منذ بداية الازمة السورية تدعو الحكومة في دمشق على اقامة حوار مدني والقيام باصلاحات سياسية لتبعد الشعب السوري عن دائرة العنف التي يدفعه نظام الأسد إليها، ولما جنح حكام دمشق للقتل والتنكيل والتشريد للشعب العربي السوري، جنحت المملكة لحسم الأمر بالطريقة الذي يفهمها بشار الأسد، استخدام القوة العسكرية في مواجهة القوة العسكرية، الأمر الذي دفع الدبلوماسية الروسية التحرك باتحاه المملكة، وطلب وزير خارجيتها لقاء وزراء الخارجية في الدول الخليجية في الرياض، اعتقاداً منه ان الوقت مازال يسمح له بالمناورة والمساومة على بعض المصالح، إلا أن هذا اللقاء لم يتم بسبب رؤية المملكة للأحداث المتسارعة وان الوقت ليس في صالح الشعب السوري، عكس ماتراه موسكو بان النظام السوري يحتاج مزيداً من الوقت لترتيب اوراقه، حتى لو كان ترتيباً يعتمد على زيادة القتل والتشريد للشعب السوري، فقد كان الرد السعودي على نبأ الزيارة مزعجاً لموسكو - بأن اللقاء يجب ان يتم مع لجنة المتابعة العربية - وقطعت المملكة الطريق على أي جهود يسعى للمساومة على دم الشعب السوري، وهنا أدركت موسكو بأن اتجاه الاحداث لن يذهب الى الطريق الذي تريده، فرأت أن تبحث في طريق آخر ولم تجد أمامها إلا اتهام المملكة في دعم الإرهاب في سوريا.