رنّ جوالها، مرارا، وتكرارا، ولا إجابة، إذ كانت بعيدة عنهُ، وعندما قدِمت أخبرتها، بأنهُ لم يتوقف عن الرنين، منذ خروجها، وإلى لحظة عودتها للمكتب... نظرت إلى شاشة الجوال، وقطّبت جبينها، وكشرت (ولوت بوزها) ووضعت الجوال جانبا بلا مبالاة!! سألتها: مابكِ ولمَ هذا العبوس الفظيع؟ نظرت إليّ قائلة: (أبد سلامتك هذا زوجي مريض) سددتُ إليها النظرة مدهوشة وأنا أُردد: مريض؟ طيب لمَ لم تردي على اتصاله ربما كان الأمر خطيرا؟ أجابتني ضاحكة: (لا خطير، ولايحزنون)!! كلُ مافي الأمر أنهُ يعاني من انفلونزا حادة منذُ ثلاثة أيام،ويريدني أن أقابلهُ ليل نهار؟ وما اتصالهُ الآن إلا ليسألني عن مكان دواءٍ أضاع مكانهُ أو عصارة ليمون ؟ سألتها والحزنُ يغمرني والدهشة تعلوني: وهل مريضُ الأنفلونزا لايعاني آلاما مُبرحة، وحرارة لاتطاق وأرقا وإنهاكا؟ يالقسوتك وبرودك (ياشيخة) زوجك مريضٌ بالمنزل يُعاني الوحدة والألم ويحتاج حنوك ،ورعايتك ،واهتمامك ،وتتركينه،وتأتين للدوام،وضحكاتُك تسبقكِ، وتتعالى مع الزميلاتِ في أحاديث تافهة؟ ليتكِ بقيتِ بجانبه، وأخذتِ على الأقل إجازة قصيرة لرعايته!! نظرت إليّ، مجددا، بابتسامة أكثر سخرية، قائلة: (ماعليه إلا العافية، وكلها شوية أنفلونزا، ويدبر عمره) فهو لا يستحق مني أي اهتمام، لأنني عندما كنت أمرض وأتعب وأتألم يتجاهلني، ولا يأبهُ بي إطلاقا ويردد على مسمعي نفس العبارة التي رددتُها عليك قبل قليل (وخلي الدلع عنك) أجبتها بقولي ممزوجا بألمي: إن كان هو قاسيا،فظا،غليظ القلب، وغير مُبالٍ بكِ،فلماذا تُعاملينهُ بالمثل؟ لم لاتكونين الأطيب والأحنّ، صدقيني لو رأى زوجكِ منكِ، حبا وحنانا، واهتماما به كما الطفل الصغير، صدقيني سيرقُ قلبهُ، ويقدر لكِ، ذلك، لأن الحب والتفاني والحنان، تُذيب أقسى القلوب، فما بالك بقلب زوجٍ، سهرتِ على راحته وخدمتهِ برموش عينيكِ!! جربي ذلك الآن وخذي إجازة قصيرة، وكوني بقربه هو الآن مريضٌ، وطريحُ انفلونزا حادة، ولولا احتياجه، لرعايتك وحنانك، ماأحرق جوالك اتصالا؟ احتسبي الأجر عند الله، وباللهِ عليك مافائدة الزوجة إن لم تخدم زوجها، وتغدق عليهِ حنانها والحب؟ اقتلي قسوته، ولا مبالاته، بعواطفك الحارة الجياشة الدافئة ولن تندمي على ذلك؟ سكتت وأخذت تفكر فيما قلتهُ لها من كلماتٍ ليست كالكلمات، ولربما تأثرت، وأثّرت بها كلماتي!! ومن ثم نظرت إليّ وأفزعتني بضحكة مجلجلة اهتزت لها أركان الغرفة وردت عليّ هذه الكلمات: يالكِ من حالمة، (وين عايشه إنتِ) هؤلاء الأزواج لو قدمتِ لهم الغالي والنفيس، وماء قلبك معها ماكان ذلك في أعينهم شيئا يذكر لأن طبع نكران الجميل مغروسٌ في أفئدتهم؟ ونظرت إلى ساعتها وبعدها إليّ، وخرجت من المكتب وتركتني أعاني صدمة وذهولا من كلامها وبرودها وقسوتها، تركتني لتكمل احتساء قهوة الصباح، والحلا، ممزوجة بالغيبة والنميمة، ونشر غسيل الزوجية، مع أُخريات!! كالمعتاد، لم تطلب مني مرافقتها، لأنها تعلم علم اليقين، أنني لست من تلك النوعية، وأنني سأردد على مسامعهن المواعظ والعبر، المُملة مثلي تماما، كما يقلن لي دائما، وكأنني قلتُ جُرماً؟ ياه ما أتعس الحياة، عندما يكونُ فيها زوجٌ قاسٍ، وزوجةٌ باردة لا مُبالية؟ ما أتعس الحياة عندما يئنُ فيها أحد الزوجين، ويتلوى ألما، ووجعا وحزنا والطرف الآخر في عالمٍ آخر!! بالله عليكم أين السكينة، والمودة والرحمة يا أزواجُ، ويا زوجات؟!!ُ وأنا هنا لا أحابي أحدا.. بل مع الحق أكان للرجل أم المرأة... آخر الألحان: إن المرأة كالرجل تماما موقف؟فلن تتساوى زوجة أسعدت زوجها،مع أخرى حولت حياته إلى جحيم!ولن تتساوى زوجة لم تفارق الابتسامة وجهها،مع أخرى لم تضحك إلا مرة واحدة في حياتها حينما وقّع زوجها وثيقة الزواج؟لن تتساوى من تمنحُ الدفء والأمان ومن تفجرُ براكين السخط والغضب وربما برودة العواطف والمشاعر!! الفرقُ بين زوجة وأخرى، هو أن تحمل قلبا نابضا بالحب والحنان والرحمة والخير. الرجل لن ينسى امرأة احترمته، وعرفت قدرهُ ولن ينسى امرأة احتوته في لحظات عمر ثقيل وكانت لهُ كالصديقة، والأخت والأم والحبيبة. أو حتى شاركته حلما، ولو لم يتحقق!! ولن ينسى امرأة أعطتهُ شيئا ولم تكتبهُ في أجندة الحسابات لتطالبهُ بهِ يوما!! لن ينسى زوجة، قنوعة رقيقة المشاعر جياشة! الزوج المُحب لن ينسى يوما أن هناك زوجة، تركت ظلالها ولو رحلت!! ولن ينسى يوما، أن هناك امرأة لايبقى منها شيء وإن بقيت معه طول العمر!