عندما يصبح الإنسان ويمسي معافى في بدنه آمناً مطمئناً ويسعى في طلب الرزق، تحفه العناية وتسهر على أمنه الرعاية، فإن هذه بلا ريب نعمة كبيرة تستحق شكر المولى عز وجل الذي سخر له هذه الأسباب وهو يرفل في ظل الأمن والأمان، وحينما يسهم اتساع رؤيته وبعد نظرة في المحافظة على هذه النعمة الكبيرة، فإنه بذلك يجسد المنطق السليم يعزز من ذلك عمق إدراكه ما يعنيه الأمن بشتى صوره الايجابية، المنظومة الاجتماعية جزء لا يتجزأ من الحياة العامة، في حين ان المسؤولية الأدبية تجاه المجتمع تتناغم مع الرؤية الشاملة لدور الدولة في صياغة اطر الحياة الكريمة الآمنة، ولا ريب ان التقارب بين طموحات وتطلعات المجتمعات مع البرامج الإصلاحية المنظمة من شأنه توفير درجة عالية من الانسجام بهذا الصد، فالمجتمع الذكي الفطن يدرك ايجابيات الالتفاف حول الوحدة الوطنية بكل ما تعنيه من ولاء يعزز العائد الايجابي للجميع، وغالباً ما يتخذ الحديث عن السياسة تحديداً أنماطاً متباينة، يشوب بعضها التحسس والتوجس، وغالباً ما يصاحب التشنج محور الحديث، مصحوباً بكمٍ وافرٍ من تخوف وهواجس ليس لها ما يبررها، سوى نبرة التضخيم التي تغلف هذا النوع من الحوارات وسوء الظن الذي يمسك بزمام المبادرة في هذا الشأن، بمعزل عن دراسة موضوعية متزنة، حسن الظن محور جميل تتكئ عليه الآمال لتجسيدها واقعاً على الأرض، لأن رؤية الفرد تختلف حتماً عن الرؤية الجماعية الشاملة التي تحيط بالأبعاد من جميع الزوايا ورؤية الصورة كاملة، بكل ما تحتويه من ألوان باهتة، تحتاج إلى إزالة، أو ألوان فاقعة تحتاج إلى تخفيف، وقطعاً فإن هناك أولويات تؤخذ بعين الاعتبار، إذ يشكِّل الاستقرار الأمني المنبثق من الاستقرار السياسي الهاجس الأول للحكومات، وينطوي تحقيق هذا الاستقرار على عوامل عدة، سواء ما يتعلق منها بالعلاقات الخارجية وتجسيد الصيغة التفاعلية اللائقة للتعامل من احترام متبادل وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، وما إلى ذلك من إستراتيجيات تتشكَّل على ضوئها الاتفاقات المنظمة، ولا ريب أن كل طرف يحرص على استمرار التعاون في هذا الإطار من منطلق المصلحة العليا التي ستنسحب حتماً على المجتمع، وضمان سلامته واستقراره. إن نظرة الفرد تختلف عن نظرة الدولة الشاملة، إذ إن بناء الثقة وتجسير الهوة عبر الإسهام في إيضاح خلفية القرارات التي تنبثق وتصب في سياق الصالح العام من المفكرين ورواد الثقافة، من شأنه دعم الثقة وتفعيل التلاحم والالتصاق بالوطن من خلال الاضطلاع بدور فاعل، فإذا كان الأديب أو الكاتب ملماً بالتصور من جميع جوانبه فإن من واجبه تمرير هذا التصور بصيغة أدبية جذابة وأسلوب سلس ممارساً دوره في التوعية السياسية التي نفتقر إليها، وبشدة ذلك أن عصب الوحدة الوطنية يكمن في رص الصفوف، وأحد المرتكزات الرئيسة المجسّدة لعمق الارتباط حسن الظن، وإذا تسنم الشخص مركزاً وولي شأناً وإدارة أفراد بالعشرات فإنه يشعر بثقل المسؤولية وعظم الأمانة فيحمل هذا الهم، فما بالكم بمن في ذمتهم رقاب الملايين من البشر وهم مسؤولون عن تأمينهم وإطعامهم، وتعليمهم، ومعالجتهم، ودرء الأخطار عنهم، لست هنا في مجال التبرير، ولا أزكي على الله أحداً، لكني أحسن النية وأثقل النطق حينما يكون في إطلاقه حكماً على أحد، فضلاً عن عامل الاحترام لمن تولوا شؤون الأمة، كما أمر ربنا تبارك وتعالى بطاعتهم، بعيداً عن أساليب التأليب الممجوجة التي تهدم ولا تخدم، فالخير يكمن في قوله والصمت عن قول ما عداه، يندرج في نطاق الاتزان، فإذا كانت الوحدة الوطنية هدف الكبير والصغير ليس في تجسيد الاستقرار وترجمته على أرض الواقع أمناً وارفاً، تنعم به الشعوب فحسب، بل إنه مؤشر لاتساع الوعي والانضمام لقافلة الإصلاح، ووقود هذه القافلة بلا ريب الحس الوطني الصادق الداعم لهذا التوجه، فإذا نثرت الشكوك أشرعتها وباتت تسيطر على الأذهان طبقاً لسوء الظن، فإنها حتماً ستعوق حركة القافلة، إن لم تتسبب في إيقافها، وأياً كانت البرامج الإصلاحية فإنها حتماً لن تؤتي أكلها بمعزل من تضافر الجهود في هذا المضمار، وأن تصبح النيات الحسنة هي المحرك الفاعل لتفعيل هذا التوجه سرباً واحداً يداً بيد، ويكون البناء، ولا شيء غيره، هو الهدف معززاً بالرؤى المتزنة، لأن الشك يولد الحيرة، والحيرة تسهم في بطء التنفيذ، وهكذا يتسرب الإحباط وآثاره السلبية السيئة، ليتخم النفوس بتبلد الإحساس من جهة، وهيمنة النظرة السوداوية القاتمة من جهة أخرى. وعلى الصعيد نفسه فإني هنا لا ألغي دور النقد الهادف البناء، بل إن الحال لن تستقيم ما لم يمس التصور تحت المجهر ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وهنا يكمن دور الدولة في كسب ثقة مواطنيها بتفعيل جهود الإصلاح الرامية إلى اجتثاث الفساد، وحماية الحقوق، فالتكامل في نهاية المطاف يصب في مسار الوحدة الوطنية، لا سيما ونحن نعيش ضمن الدائرة الدولية، حيث الاحتكاك الحتمي مع الآخرين، على رغم ما يغشى هذا الاحتكاك من آثار سلبية بالإمكان تجنبها متى ما ساقت الحكمة النموذج الأمثل إزاءها، المتمثل في الانضواء تحت لواء «الوطن الكبير»، بكل ما يجسِّده من التفاف ومحبة وإخاء نحو تحقيق الأهداف، تعززها النيات الحسنة بصدق الانتماء ومسؤولية المشاركة الفاعلة، بعيداً من مطرقة التشكيك التي ما برحت تنخر في العقول الصدئة، وتقلص الفارق بين ما يتحتم الإحاطة بأبعاده وانتفاء استيعاب الأولويات بشكل متأنٍ، إمعاناً في تأصيل الرفض كنواة تشق الصف، ما ينعكس سلباً على الأفراد والمجتمعات. [email protected]