فضاء تلفزيوني مشحون بالتوتر والانفعال يعكس في مجمله ما تشهده ساحتنا العربية من صراعات وأعمال عنف وقتل في ظل ما أسميناه ( الربيع العربي) لا نكاد ننتقل من قناة لأخرى إلا وتواجهنا نقاشات وحوارات حول موضوعات سياسية في غالبها، خاصة في القنوات الإخبارية، والقنوات غير العربية الموجهة إلى الجمهور العربي. إلى هنا والأمر يبدو طبيعياً في مجمله، ولكن ما يستوجب التوقف عنده هو بعض ما نشهده من تجاوزت للعرف وأخلاق المهنة في الحوارات والنقاشات السياسية التي تحولت البرامج الحوارية من خلالها إلى ساحات صراعات أشبه ما تكون بساحات مصارعة الديوك، حيث تنتهي المواجهة بمقتل أحدهما أو انسحابه. قناة الجزيرة، خاصة في برنامجها الاتجاه المعاكس، نالت قصب السبق بين المحطات العربية في استضافة شخصيات في حوارات سياسية تحولت إلى شتائم بين المتحاورين لتنتهي بعراك بالأيدي أو الكراسي. محطات عربية أخرى وأجنبية شهدت حالات مماثلة من العراك بين المتحاورين، وأسوأ ما رأيت في هذا السياق مشهدا في قناة هندية تقذف فيه إحدى المشاركات رجلاً بحذائها بعد أن اختلفت وجهة نظريهما. هنا نتساءل عن تفسير لما يحصل ونقول : هل من الممكن أن تصل درجة الاختلاف في الرأي بين اثنين إلى هذا الحد، أم أن هناك سيناريو تم رسمه من قبل فريق البرنامج والضيوف سعياً لكسب جمهور أكبر من المشاهدين؟. الاختلاف في وجهات النظر بين أطراف تتبع وتؤيد حكومات، أو أحزاباً، أو توجهات مختلفة أمر ممكن الحدوث، بل قد يكون ظاهرة سائدة في ظل التوترات والصراعات السياسية في أي بلد، وهو يعكس في كثير من جوانبه حرية إبداء الرأي والشفافية المتناهية في تناول السلبيات وعدم السكوت عليها. العمل الإعلامي له أخلاقيات وآداب تحكم سيره، وليس من أدبيات البرامج الحوارية تبادل الشتائم واستخدام القبضة والكرسي للتعبير عن عدم قبول وجهة نظر أو موقف. ثم إن المشاهد يجب أن يحترم؛ فهو لم يقتطع جزءا من وقته لكي يشاهد ديكة تتصارع بدلاً من حوار هادئ رزين، ولو كانت أطرافه غير متفقة. ما لاحظته أن القائمين على البرامج الحوارية ذات العنف الحواري يتلذذون بالمصارعة بين المشاركين، وينتظرونهم حتى ينهوا المعركة بينهم دون إيقاف للبرنامج في وقت مبكر مع إمكانية ذلك، مما يعني أن هناك نية مبيتة في آليات التعامل حين يشتد النقاش ويخرج عن النمط المتعارف عليه في برامج الحوار وهو الإبقاء على المشهد حنى نهايته. وكما يقول ( جان برتراند ) في كتابه عن أدبيات الإعلام أنه « بما أن هم الإدارة منصب أولا على المستوى الربحي فهي لا يمكن أن تكون راعية للانضباط المهني. إذ يمكن لها أن تغض الطرف عن غلطة إذا كانت ترضي مصالحها. وربما تكون هي التي أوعزت لموظفيها بارتكابها « وبغض النظر عن ما يحدث من تجاوزات في كثير من القنوات غير الحكومية لأدبيات المهنة إلا ان ذلك لا يقلل من قوة عدد من برامجها الحوارية بما تمتلكه من فضاء حرية أوسع ،ومهنية أعلى، وقدرة على المتابعة واستقطاب الكفاءات المؤهلة.