أقرأ وأسمع وأرى عما يدور في هذا العالم، تضيق الدنيا بي، وتلسعني الحسرة، ويلتف الرعب من حولي، وكأني بينهم أحزن معهم وأتألم لألمهم وأبكي على حالهم، وابتهل بالدعاء لهم. ثم تهدأ أعصابي شيئاً فشيئاً.. وتلين جوارحي.. وأشعر بجسدي.. وأمتلك تفكيري وفجأة أعود إلى طبيعتي.. وإلى حقيقة ما أنا عليه. ويتبين لي أني في حضن رقيق حنون يضمني إليه، يسقيني حباً بيديه، فأتطلع لأري في دهشة.. من أين أتى كل هذا؟ طلعت من خلف ستارها تشع.. كيقظة صباح ربيع مشرق من هجعة الشتاء، دافئ ببرودته يلمؤه ابتسام، تتفتح لشذاه الأكمام. تردد تغاريد طيوره صدى اسمها.. وتزفه إلى مسامعي ورقات الأغصان فاستلهم في فرحة.. ويعقبها شعور مؤنس.. إنها مملكتي. مهبط الوحي، ومنبع الرسالة، وأرض الحرمين... موطن الفخر والعز. واحة الظمآن، يمتد بامتدادها الأمن، وينعدم في أرجائها الخوف، عطاء من المنان. حكومة راشدة بنيت على شرع الله وسنة رسوله، تتشاور في ما يخص العباد والبلاد. تنبذ الغلو والفساد وتحارب الإرهاب، وتدعو إلى الهدى والرشاد. تحكمها سلالة نادرة، لهم أياد بيضاء في كل ما يخدم الدين، وفي كل ميادين الخير. يتقدمهم ملك وأب، يتفقد حال الرعية، يذكرنا. فتح قلبه لشعبه فتفتحت له القلوب فصار ملك القلوب. له نظرة تمتلئ بكل معاني الإنسانية، تحسسك بنظرة الوالد لولده. تمزح نبرته بصرخة قائد جيش يمتد بامتداد الأرض، وبعطف أب حنون يغرس في نفوس أبنائه ثقة.. تسقى وداً.. لتثمر ولاء ووفاء. فأين تجد.. ولن تجد مملكة.. كهذه.. يقودها.. هذا الملك. حلم يراود كل حي، وأمل يتمناه، وغاية يسعى لها، أن يعيش في ظل هذا العهد، وداخل هذا الوطن. فما بال من ينتسب إليه ويعيش تحت رايته ويلتهم من خيراته، أليس بمقدوره بعد الله أن يحفظه ويحميه ويبنيه، ويسد كل فتحة تمكن الأعداء من التوغل فيه. ويصم سمعه عن كل حديث يدعو إلى التخريب والضياع وإشعال فتيل الفتن والتفرق والخروج عن الصراط السوي. ويصد عنه بجسده، ويفديه بروحه، ويحرسه بعينيه. لن نسمح لكل حسود أن يعكر علينا صفو عيشنا. وأن ينزع عنا كرامتنا، وأن ينزلنا من عزنا الذي نحن فيه. فلو رجعنا إلى الوراء قليلاً.. أرى قبل تأسيس البلاد على يد المرحوم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، لوجدنا الحال يرثى لها. قوم مشتتون تحكمهم العصبية القبلية يستولي القوي منهم على الضعيف، ويمتلكهم الخوف وينتشر بينهم الجهل والجوع والروع، سلب ونهب وجور، يفتقرون إلى من يجمع شتاتهم ويبقيهم تحت راية واحدة والحمد لله حصل ذلك وكان. فنعمة من الله ومنة إنا نعيش بين أحضان هذه المملكة وفي عهد هذا الملك. فالكل بخير والوطن بخير والله مولانا نعم المولى ونعم النصير. * جازان - مرهرة