فقدت أحياؤنا سكينتها وأصبحت «ليلاً» عبارة عن شوارع وأزقة تمترها السيارات.. وتكاد تخلو من المشاة.. بل إن مشهد المشاه أصبح نشازا وغير مألوف ولعل افراغها من المحلات التجارية الصغيرة ساهم بهذه الظاهرة وجعل من الصعوبة على المرأة والطفل قضاء احتياجاتهم من داخل الحي دون استخدام السيارة الأمر الذي ضاعف من تكدس السيارات والقى بثقل المهمة على رب الأسرة ولأهمية القضية اجتماعيا وأمنيا فقد نقلنا هذا الهم للدكتور خالد بن عبدالعزيز الطياش الذي بدوره شخص القضية بأسلوبه واستهل حديثه قائلاً قبل نحو ثلاثين عاما ومع بداية انتشار نظام الفلل السكنية على نطاق واسع بديلا لنظام المباني التقليدية الطينية أو البلوكية، كانت الأحياء السكنية في مدننا أكثر نشاطا وأقل وحشة وأكثر أماناً من وقتنا الحاضر رغم تباعد المساكن عن بعضها وعدم سفلتة الشوارع فيما بينها الا ان السير داخل تلك الأحياء يجد فيه الشخص نوعا من التمتع والأنس فمع كل خطوة يخطوها الإنسان داخل الحي فإنه يجد نشاطاً معيناً أو تجمعاً عند بوابة منزل لبعض الجيران أو أطفال يلعبون على فسحة من الأرض لم تبن بعد أمام بيوتهم فيحس الساكن بالحيوية والاستئناس بتلك النشاطات المختلفة ولقد ساعد على تفعيل تلك النشاطات وجود العديد من الدكاكين الصغيرة ذات الخدمات المتنوعة المنتشرة في جميع أنحاء الحي فلقد كان نظام البلديات في ذلك الوقت يسمح لأصحاب الفلل السكنية باستقطاع جزء من الفناء الخارجي المحيط بالفيلا بحيث يفتح إلى الخارج جهة الشارع وعمل دكان صغير يؤجر من قبل صاحب المنزل ليكون بقالة أو مخبزاً أو مغسلة أو بوفيه او محل بنشر او خياط ملابس رجالية أو خياط ملابس نسائية وغير ذلك من الخدمات الصغيرة الأخرى حيث كانت تلك الدكاكين بتنوع نشاطاتها تؤدي خدمات كثيرة ومزدوجة تؤثر ايجابيا على الحي وأهله. الآن اقتصر فتح تلك المحلات الصغيرة بنشاطاتها المتنوعة على الشوارع الرئيسية في الحي والتي لا يقل عرضها عن ثلاثين مترا مع الالتزام بالارتداد لستة أمتار بعد حد الشارع وبعدها يبدأ حد المبنى وعادة هذا النوع من الشوارع لا يكون داخل الحي إنما يحيط بالحي أي إن الخدمات التي يحتاج لها سكان الحي بصورة يومية ومستمرة تتمركز حول الإطار الخارجي للحي ولا يمكن الوصول لها من داخل الحي الا باستخدام السيارة ونتيجة لذلك تكدست اعداد كبيرة من المحلات التجارية بمختلف نشاطاتها على جانبي الشوارع الرئيسية مما أدى الى صعوبة الحركة المرورية فيها وعدم وجود مواقف السيارات الكافية لاستيعاب رواد تلك المحلات. إن تفريغ الحي داخليا من تلك المحلات التجارية الصغيرة وتركيزها حول الاطار الخارجي له أدى إلى الغاء عنصر أساسي ودعامة رئيسية من الدعائم المكونة لفاعلية الحي ونشاطه، فلقد كانت الأحياء التقليدية تمتاز بوجود العديد من تلك الدكاكين داخل الأحياء وبين البيوت وكذلك كانت الاحياء التقليدية تمتاز بوجود العديد من تلك الدكاكين داخل الأحياء وبين البيوت وكذلك كانت الأحياء التقليدية في معظم المدن العربية والإسلامية ولم تشكل تلك الظاهرة اي تفاعل سلبي على الساكن أو التاجر بل كان تواجدهما معا ايجابيا مما يجعل النسيج العمراني للحي متكاملا اقتصاديا ومكملا لبعضه في تأمين احتياجاته دون الابتعاد كثيرا عن دائرة الحي أو الخروج منه. أحياؤنا اليوم تحتاج إلى تفعيل نشاط ساكنيهاوخلق نوع من الاندماج والترابط فيما بينهم ولعل احساس سكان الأحياء بتفكك الروابط الاجتماعية وغياب التفاعل الحياتي فيما بينهم أدى إلى إنشاء جمعيات تهتم بهذه الظاهرة مثل جمعية مراكز الأحياء في جدة والتي تعنى كما تنص عليه أهدافها على توطيد التواصل بين الفرد والمحيط الذي يعيش فيه واتاحة الفرصة له ليقوم بدوره تجاه تنمية مجتمعه وتطويره والمحافظة على مكتسباته ومنجزاته ونشر الوعي والأخلاق الفاضلة بين أفراده من أجل رفعة الوطن والشعور بالانتماء الفعلي. ولخلق هذا الهدف فلابد له من أدوات تساعد على التواصل بين سكان الحي ومن أهمها خلق نشاطات جماعية مشتركة بين السكان وتنشيط دور نقاط الالتقاء فيها بينهم كالمساجد والاجتماعات الدورية والحدائق العامة ومحلات الخدمات التجارية الصغيرة داخل الحي. هذا المقال دعوة إلى البلديات لاعادة النظر ودراسة موضوع المحلات التجارية الصغيرة داخل الأحياء لعدة أسباب منها ان تلك الدكاكين الصغيرة المتعددة النشاط تقوم بالآتي: - تؤدي خدمات إلى ساكني الحي من خلال النشاط الذي يزاوله كل محل. - وجود تلك الدكاكين باختلاف نشاطاتها قريبا من المساكن وداخل الحي يغني السكان من الذهاب إلى مراكز التسوق الكبيرة ويختصر المسافة والوقت لصالح السكان. - تواجد المحلات الصغيرة المختلفة الأنشطة داخل الأحياء السكنية يمكن ربة البيت أو الأطفال في كثير من الأحيان من شراء حاجاتهم من تلك المحلات دون الحاجة إلى استخدام السيارة. - تعطي تلك الدكاكين باختلاف نشاطاتها وتنوعها اكتفاء ذاتياً لساكني الحي من احتياجاتهم اليومية دون عناء وبأقل جهد وأحياناً دون استخدام السيارة مما ينمي لديهم عادة المشي وبالتالي تعود الحياة والحركة للحي كنتيجة لذلك. - وجود تلك المحلات وانتشارها داخل الأحياء تعطي حيوية للحي نتيجة حركة مرتاديها مما يعطي الأمان للحي بدلا من ان يكون الشارع مقفراً وخالياً من أي نشاط أو حركة. - استمرار عمل تلك المحلات داخل الأحياء ليلاً وحركة مرتاديها الدائمة تقلل من فرص جرائم سرقة المنازل والسيارات داخل الحي. - يساعد وجود تلك المحلات المختلفة النشاطات على تنمية العلاقات الاجتماعية بين سكان الحي كنتيجة للقاءاتهم عند أصحاب تلك المحلات أو اثناء حركتهم من وإلى تلك الدكاكين لشراء حاجاتهم. - تساعد تلك الدكاكين على ضبط الناحية الأمنية للحي حيث تكون كأعين مساعدة لملاحظة اي موقف مشبوه أو أي غريب داخل الحي.