(عادت حليمة لعادتها القديمة).. أو رجعت حليمة لعادتها القديمة، مثل رددناه كثيراً، وفهمناه بمعناه المباشر، وهو كذلك كما تناولت المثل العديد من الروايات والقصص الأدبية والمسلسلات التلفزيونية والمسرحيات الهزلية، مكتفية بتوظيف لمثل فقط وقصة هذا المثل المتداولة تقول إن "حليمة" هي احدى زوجات حاتم الطائي -الذي ارتبط اسمه بالبذل والكرم بين العرب وعاش في العصر الجاهلي قبل الاسلام بفترة قصيرة-, وقيل إن "حليمة" على النقيض من زوجها، حيث كانت شديدة البخل إلاّ أنها على قدرٍ من الجمال ورجاحة العقل الذي يشفع لها عند زوجها حاتم للتمسك بها, حتى قيل إنها من شدة بخلها كانت إذا أرادت أن تضع سمناً في الطعام أخذت ترتجف الملعقة في يدها حتى تسقط. وأراد "حاتم الطائي" أن يحتال عليها فأتى لها بحكيم من حكماء العرب المعروفين أخبرها بأن المرأة إذا أرادت أن تبقى شابة وتحفظ شبابها زمناً طويلاً, فلا تهرم ولا يشيب شعرها أبداً, عليها أن تزيد السمن في الطعام وكلما زادت زاد عمرها, فتغلبت رغبتها في الحفاظ على شبابها وصغر سنها على آفة البخل الشديد عندها وأغدقت بعد ذلك السمن على الطعام بالشكل الذي أرضى ضيوف حاتم ورواد موائده، إلاّ أنها ما لبث بعد سنوات قليلة أن بدأ الشيب يظهر في رأسها, فقلن لها بعض النسوة القريبات ممن يعلمن بقصة السمن إن الشيب لا يظهر إلاّ عند المرأة التي تسرف في وضع السمن في الطعام فعادت إلى ما جُبلت عليه، فقيل عنها مرة أخرى (عادت حليمة إلى عادتها القديمة)، وفي رواية أخرى أن أحد ابنائها توفي فاصابها الحزن والغم الذي كرهت معه الحياة، فأرادت أن يقرب الله اجلها بتقليل السمن في الطعام. هذا ما تعارف عليه الناس لكن في حقيقة الأمر أن "حليمة" تلك لم يرد لها أي ذكر في تاريخ وسيرة حاتم الطائي على أنها إحدى زوجاته، ومن ورد ذكرهن هن فقط (عالية) أو النوار، وأخرى وهي (ماوية) ابنة عفزر أحد ملوك اليمن، وهي أيضاً أم عدي بن حاتم التي وجه لها قصيدته المعروفة عندما لامته زوجته الأولى النوار على كرمه الذي اعتبرته اسرافاً والتي قال فيها: أماويَ قد طال التجنبُ والهجرُ وقد عذرتني من طلابكمُ العذرُ أماويَ إن المال غاديٍ ورائحٍ ويبقى من المالِ الأحاديث والذكرُ أماويَّ إني لا أقولُ لسائلٍ إذا جاء يوماً حلَّ في مالنا نزرُ أماويَّ اما مانعٌ فمبينٌ وإما عطاء لا يُنهْنههُ الزجرُ أماويَ ما يغني الثراءُ عن الفتى إذا حشرجت نفسٌ وضاق بها الصدرُ أماويَ أن يصبحْ صدايَ بقفرةٍ من الأرضِ لا ماء ٌ هناك ولا خمرُ تَريْ أن ما أهلكت لم يكُ ضرَّني وأن يدي مما بخلتُ به صفرُ وبالتالي ليس بالتأكيد أن تكون حليمة تلك هي زوجة حاتم الطائي كما يردد!.