لا أعرف لماذا أغفل معدو البرامج الحوارية في الفضائيات العربية دعوة أعضاء جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائرية للمشاركة في برامجهم الحوارية للحديث عن الربيع العربي ، وهم جماعة يملكون تجربة المحاولة للوصول إلى السلطة عن طريق الاقتراع المباشر ، خاصة وإنها تجربة قدمت للعالم مشهدا داميا وضع كلمة ديمقراطية بين قوسين ، قوس إجهاضها بقوة السلاح ، وقوس الضغط الغربي لمنع وصول الإسلاميين للسلطة. الربيع الذي بدأ سلميا في التسعينيات وانتهى إلى وحشية إنسانية لم يعرفها تاريخ الجزائر من قبل ، يبدو اليوم هذا الربيع ممتنعا ومستعصيا حتى كفكرة تناقش في منتديات التغيير في الجزائر ، وكأن محاولة التغيير لا تحدث إلا مرة واحدة أو حق استخدامها ينتهي عند المحاولة الأولى. هنا نحن لا نريد معاذ الله أن نقدم دعوة للربيع العربي للدخول في الجزائر ، ولكن ما قصدناه أمرا آخر تماما ، وهو أمر يقع تحت ضرورة ان صحت التسمية التساؤل المشروع في هذه اللحظة المتفجرة في العالم العربي ، وكيف يغيب هذا السؤال عن المكان الذي أنتج نسخة الربيع العربي في بداية التسعينيات ، وكأنه في ذاك الزمان عينة اختبار للتغيير الديمقراطي في العالم العربي ، والذي أفاد هذا الاختبار في حينها أن التغير الديمقراطي سوف يأتي بالإرهابيين إلى السلطة وهذا شيء محرم في الداخل والخارج ، وفي تلك اللحظة جميعنا يعلم بأن من نجحوا في الانتخابات الديمقراطية تحولوا الى إرهابيين طردتهم المدنية من واقعها السياسي إلى الجبال والكهوف وفتحت لهم أبواب السجون والمعتقلات. هؤلاء المطاردون في الأمس هم في اعتقادي الأقدر اليوم على تحليل صور المشهد الدامي في العالم العربي وهم ايضا يملكون من واقع التجربة قوة التنبؤ لمستقبل الجماعات الإسلامية التي وصلت لسدة الحكم في الدول التي ضربها الربيع العربي أو ضربته. الغريب إن الجماعتين الإسلاميتين في العالم العربي اللتين وصلتا إلى السلطة عن طريق الديمقراطية ، ومنعتا بقوة السلاح والضغط الدولي من ممارسة استحقاقاتهما الديمقراطية هما الآن بعيدتان عن مظاهر الربيع العربي (الجماعة الاسلامية في الجزائر وحماس في فلسطين) ولو تتبعنا سلوك حماس السياسي في أيام الربيع لوجدناها وكأنها تسير عكس اتجاه الربيع ، أو كأنها لا تريد ان تكون ضحية السلطة الفلسطينية والمصالح الغربية مثلما كانت في السابق. سر هدوء حماس والجماعة الإسلامية في الجزائر ، لا يكون إلا أحد أمرين إما انهم في لحظة انتظار ويؤمنون بأن الحكم مآله لهم ولا يحتاج الأمر لنقطة دم واحدة ، أو انهم ينتظرون حتى ينقلب الغرب على اصدقائهم الاسلاميين الذين وصلوا للسلطة في العالم العربي ليقدموا لهم العزاء ويسلمونهم خرائط الكهوف التي سوف يختبئون بها. حقيقة أنا ممن يحرص على سماع رؤية حماس والجماعة الاسلامية في الجزائر عن الربيع العربي لأن بها الكثير من النصائح التي تفيد اليوم حكومات الربيع العربي الجديدة.