أخذ يجرُّ قدميه إلى المشفى الذي كانت ترقد فيه .. لم يكن متحمسًا لرؤيتها .. فهو يزورها برغمه يوماً، ويأخذ إجازة نقاهة في اليوم الذي يليه ، ليمحو ما علق في رأسه من كلمات حارقة كانت تصبّها - كما يقول - على رؤوس عباد الله، الصالحين والطالحين على السواء .! قلت : ألم تقل بأنّها مريضة ؟ قال : " لم يكن مرضها هو السبب ، فلولا أسْر سرير المشفى ، وأوامر الطبيب، لأتاحت لها (العافية) أن توصل أذاها للقادمين والمسافرين " .! كنت أنظر إليه واجمًا ... لاحظ محرجًا : " أنت لا تعرف خالتي .. أهنئك بحرارة لأنها ليست خالتك ، وبهذه المناسبة لا أذكر أنني دعوت لها يومًا بالشفاء العاجل أو الآجل " .. هزّ رأسه بالسرعة البطيئة، وأشاح بوجهه وسكت .! * * * منذ وقت وهو لا يرغب في أن يفعل أي شيء ، مع أن أشياءه التي عاش لها تنتظر أن يخطو نحوها خطوة واحدة . يمكنك أن تقدّر مدى هذه (الوعكة المزاجية)، التي ظلت تعبث به، تأتي بوجع .. وتغادر بوجع أيضاً .! يقولون، سكان تلك المدينة لا يفرحون، ولا يحزنون .. فهم يعجنون الرّغيف، مساءً بماء الوجوه، ودمع العيون .. وحين يجيء النهار، على شمسه يُخبَزون .! * * * قالت الفاغية لفلّاح الحقل : " روّعتني بالأمس يا فلاح .. فقد رأيتك تهوي بفأسك على التربة .. كيف تغضب على أوراق الورد وأفئدة العصافير؟ قال الفلاح وهو يجفف عرقه : أغضب (لها)، لا (عليها) . ما قيمتي بدون الأرض ؟ إنّما أقسو على (تربتي) لتخصب يا فاغية الحقل .! * * * *آخر السطور : " وأعجب كيف أخوض الجموع بدونك .. وأرقص فوق الحراب بدونك .. أمثّل في مسرح الزيف ألف رواية، وأهذي بألف حكاية .. وأرجع عند انسدال المساء فأحلم أني رميت شقائي بليل عيونك .. ونمت.. ونام الشقاء "!