"الماركات العالمية".. قصة لا يعرفها سوى أفراد الجيل الحالي، سواء شبّان أو فتيات، حيث يرون أنه من الضروري اقتناء أفضل السلع في السوق، في سبيل التفرد، وكذلك في سبيل الوصول إلى الوجاهة والرقي في نظر الآخرين، غير مبالين بالتكلفة المادية التي من الممكن أن تؤثر على ميزانياتهم الشهرية. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار السلع عموماً، إلاّ أن "الماركات" تنفرد عن غيرها بأسعارها الخيالية، وهو أمر يدعو للاستغراب، ويطرح التساؤل: لماذا يتعلق "جيل اليوم" بها؟، حيث يحرص الكثير منهم على شرائها حتى لو كلّف الأمر دفع مبالغ تتجاوز الألوف، وهنا قد نجد العذر لمن يملك الوظيفة، على اعتبار أنه باستطاعته شراء ما يرغب، إلاّ أن هناك من الفتيات والشباب من يضغط على أسرته في سبيل توفير المال، حتى يحصل في النهاية على الماركة المفضلة لديه. "الرياض" تطرح الموضوع وتناقشه، فكان هذا التحقيق. باهظة الثمن في البداية قالت "منال العمر" -معلمة-: أعشق "الماركات" الأصلية ولا أقبل بسواها، بل وأشعر بالرضا التام عندما أقتني ساعة أوحقيبة من ماركة معروفة، حتى يشعر الآخرون مدى قدرتي على شراء منتجات باهظة الثمن، مضيفةً أنها تفتخر بين قريباتها بامتلاكها حقيبة من "الماركة الفلانية"، وهو ما يدل على وضعها الاجتماعي المرموق، بل ويشكل فرقاً بيني وبين من هم أقل منها، مشيرةً إلى أن ذلك يجعلها تبدو مميزة، إلى جانب إرضاء غرورها، سواء أمام قريباتها أو صديقاتها. وأكدت "سلمى الخالدي" على أن اقتناء الماركات يُعد وجاهة ورقياً وتميّزاً، بل إن هناك من ينظر إلى صاحبتها على أنها شخصية مميزة ومرموقة، مضيفةً أن التي لا تهتم لشأن الماركات تُعد بُعرفنا غير مواكبة للموضة العصرية، كما أنه يُنظر إليها على أنها بعيدة عن الحداثة والتطوير. تقليد أعمى وذكرت "سهى عبدالرحمن" -موظفة بنك- أنها تعد ذلك تقليدا أعمى وجهلا، وهو نوع من الغرور والهوس الذي يجعلنا أسرى للمظاهر، بل ويجعل الفتاة سطحية، ولا هم لها سوى الجري وراء الماديات, مضيفةً أنها تشتري ما يعجبها بغض النظر عن مسمى الماركة، مشيرةً إلى أن الفتاة تحب تقليد صديقاتها أو قريباتها بدون تفكير، وكثيرات منهن يقعن في شر الديون؛ نتيجة الإسراف على ماركات تستخدمها صاحبتها لمرة واحدة ثم تستغني عنها. وقالت "سمر خالد": أنا حريصة على الذهاب للتسوق ومتابعة جديد الماركات؛ لأنها ذات جودة عالية ومظهر جذاب، مضيفةً أن التعامل معها ويرهق ميزانيتها، بل ويشعرها بالذنب في بعض الأحيان، وخصوصاً عندما تدفع مبلغا ضخما في حقيبة أو ساعة يد، مؤكدةً على أنها لا تستطيع التخلي عن "برستيجها" أمام صديقاتها. أجمع مصروفي وأوضح "محمد الخليفة" -طالب جامعي- أنه يفضل شراء الماركة؛ لقناعته أنها الأفضل، كما أنه يحرص عليها عند شراء الأحذية والعطورات، مبيناً أنه وصل لهذه القناعة بعد عدة تجارب مع منتجات رخيصة، وجد أنها تتلف سريعاً، كما أنها غير مرضية للذوق العام. ووافقه الرأي "عمر العبدالرحمن" حيث يرى أن النظارات من ماركة معروفة هي الأساس في أناقته وثقته بنفسه، حتى أنه يجمع مصروفه ويعيش أزمة مالية، في سبيل أن يحصل على نظارة ماركة يصل سعرها إلى آلاف الريالات، مشيراً إلى أنه كثيراً ما ينتقده أشقاؤه ويلقبونه ب"شحاد وأحواله تجارية"!. وذكر "أنور عيسى" أنه يحرص على اقتناء الجديد والمميز، إلى جانب متابعته المستمرة لكل ما ينزل في السوق من أجهزة الكترونية، مضيفاً أنه يعمل على تغيير هاتفه الجوال باستمرار، مؤكداً على أنه يبحث عن المميز والمختلف في عالم الأجهزة؛ لأنها الأفضل، حيث لا تقارن بالأجهزة الأخرى. تنفذ بسرعة وقال "حسن محمد" -بائع في أحد المحلات-: إن الماركات تلقى رواجاً كبيراً من السيدات من مختلف الطبقات، وكذلك من فئات عمرية متباينة، مضيفاً أن كثيراً من السيدات تحرص على متابعة كل ما هو جديد في عالم الموضة، ويسألن بشدة عن الأفضل وما جديده، مؤكداً على أن الماركات الجديدة تنفذ بسرعة، والتنافس عليها يبدو شديداً منذ الوهلة الأولى التي تنزل فيها البضائع، مشيراً إلى أن أكثر الأسئلة التي تواجهه من الزبائن تنحصر في هل هذه الماركة أصلية أو مقلدة؟ مبيناً أنه بالرغم من أن منتجاته أصلية، إلاّ أن الشك يبدو واضحاً على كثير من مرتادي المحل، وهذا ما يؤكد جهل الكثير من الزبائن بماهية الماركة، لافتاً إلى أن المراهقات هن الفئة الأكبر من زبائنه، كونهن الأحرص على متابعة الجديد في عالم الموضة, ولديهن رغبة شديدة في التميز، وكذلك حب المباهاة أمام الآخرين. غياب الاستقرار وأوضحت "مها الحسن" -مشرفة تربوية- أن بعض الأشخاص الذين لديهم هوس باقتناء الماركات يعانون من عدم الاستقرار النفسي وعدم الثقة بالنفس، وهو ما يُعد نوعاً من خداع الذات، وتعويض النقص، مؤكدةً على أن من سلبيات الجري وراء الماركات، أنها تُعد نوعاً من التقليد الأعمى لثقافات غريبة، كما أنها تُعد محاولة لتقليد النجوم والمشاهير، الذين يرتدون هذه الماركات في الأفلام والمسلسلات. وذكرت "خديجة العتيبي" -اخصائية اجتماعية- أن ظاهرة هوس الماركات تجاوزت القدرة الشرائية للكثير من النساء والرجال، وبلاشك أن الجنس الناعم هن أكثر اقتناء، مضيفةً أن الأمر أصبح أشبه بهوس الرغبة بالتفرد والتميز، دون الأخذ بالاعتبار مدى قيمة الحاجة المراد من تلك السلعة، مشيرةً إلى أنه أصبح هؤلاء الفتيان والفتيات ينجرفون وراء شراء الماركات دون وعي للقيمة المدفوعة، مؤكدةً على أنه ذهبت هذه الظاهرة أكثر من كونها هوساً، إذ تحولت إلى ثقافة في مجتمعات الفتيات بمختلف الطبقات، مبينةً أنه لم تعد تلك الماركات حصراً على الطبقة الغنية من المجتمع، وإنما تصر الفتيات من الطبقات الأقل على الشراء ولو بكمية بسيطة. غير معقولة وأكدت "خديجة العتيبي" على أن هذا الكلام يعود إلى أحد السببين، الأول: ما يشار إليه في علم الاجتماع، بأنه حب تقليد "نجمات هوليوود"، والتي تظهر على وسائل الاعلام، إلى جانب الضجة الاعلامية حولهن، و هذا ما يدفع الفتيات إلى التشبه بهن في الشكل والسلوك، مضيفةً أن السبب الثاني هو ما يشار إليه في علم النفس حول وجود بعض الأمراض التي تصيب النفس البشرية من التقليد وحب الشهرة والتفرد والتميز، إضافةً إلى التعويض عن فقدان الثقة بالذات بالشراء من تلك الماركات بأسعار غير معقولة، مما يشعر الفرد بالرضا عن نفسه، ناصحةً أنه لابد من تعزيز الجانب الديني لدى الفرد، فنحن نعلم في ديننا الحنيف أن الله جميل يحب الجمال، وأن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده، ولكن ليس بهذا السلوك الذي يصبح صاحبه "إمعة"، لا يبرز فيه تفرده وطابعه الشخصي، مشددةً على أهمية اتباع السلوك الذي يرضي ذاته ويحمي ثقته بنفسه.