مقال اليوم استكمال لمقال الأمس بخصوص تشددنا في إقامة صلاة الجماعة (في موعد مُحدد وجدول مُوحد) في حين أتاح لنا رب العباد أداءها خلال هوامش زمنية طويلة منعاً لتعطل المصالح وانقطاع الأرزاق وتأخير الحاجات.. وضربت حينها مثلا بصلاة الظهر التي يمتد وقتها حتى دخول العصر، وصلاة العشاء التي يمتد وقتها حتى منتصف الليل (بل ويستحب تأخيرها باتفاق الأئمة / وحسب ماجاء في فتاوى هيئة كبار العلماء)... أضف لهذا تدل سيرة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم على أنه لم يكن يفعل مانفعله اليوم من التشدد في تأدية الجماعة فور إقامتها ، بل على العكس تماما كان يسمح بتأخيرها أو تقديمها من باب الرخصة (حين يشتد الحر مثلا، أو خشية المشقة على الناس مثلما حصل حين ناداه عمر بخصوص صلاة العشاء: يا رسول الله رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطر، وقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)!! وفي الحقيقة هناك فرق بين إقامة الجماعة في الناس، وبين إقامة الناس في صلاة الجماعة.. فإقامة الجماعة في الناس فرض على ولي الأمر (ولهذا تبني الدولة المساجد وتوظف المؤذنين والأئمة) أما إقامة الناس في صلاة الجماعة فمسألة اجتهادية اختلف فيها العلماء ناهيك عن إقامتها في وقت محدد وحسب جدول صارم يحاسب عليه الناس !! وعطفاً على الأدلة والشواهد التي أوردتها في آخر مقال (ومن بينها فتوى صريحة للشيخ ابن باز ضمن الفتاوى المطبوعة لهيئة كبار العلماء).. وعطفا على عدم وجود أدلة وشواهد تؤيد التضييق على الناس ومطاردتهم لأداء الجماعة في وقت موحد يحق لنا التساؤل: لماذا إذاً نضيق على أنفسنا وقد منحنا الله فسحة من الوقت لأداء الصلوات؟ ولماذا نشكك في نية المسلم لمجرد انشغاله خارج المسجد حين يُرفع الأذان؟ ولماذا نعطل المصالح والأعمال في حين يمكن التناوب على صلاة الجماعة (كما في الأزهر والجامع الأموي وبقية العالم الاسلامي)؟ وكيف نعرف أن من تقبض عليه الهيئة لم يكن ينوي الصلاة في آخر وقتها / أو أن من لا ينوي الصلاة من أساسه سيلتزم بها لمجرد القبض عليه!! ولماذا نترك الفرصة (لمن لا يصلون أصلا) للتهرب من وظائفهم وترك مكاتبهم بحجة «الوضوء» أو «الذهاب للمسجد»!؟ وحين تتعطل الأعمال بشكل كامل، ألا يشغل ذلك أذهان المصلين وأصحاب المصالح عن الصلاة ذاتها (بدليل أن الرسول كان إذا سمع بكاء الصبي يسرع في الصلاة مخافة أن تفتن أمه)!! وأخيرا ، هل مانفعله اليوم أمر فعله الرسول (حتى حين تركوه قائما في صلاة الجمعة) أو الخلفاء الراشدين من بعده (عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)! أخبرك سلفا بأن هناك من سيتجاهل كل هذا ويركز على الأفضل والمستحب والأكمل وكأننا أكثر تقوى من نبي الأمة الذي كان يسرع بالصلاة شفقة بالأم، أو يؤخر الظهر خشية الحر، أو صلاة العشاء لمنتصف الليل... (بل لاحظ ان في قوله لعمر: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي إجازه ضمنية بمخالفة وقتها رحمة بالأمة)!! ورغم أن مساحة المقال لم تتسع لسرد أمثلة من الواقع ؛ كلي ثقة بأن جميعكم مر بمواقف طارئة أو حرجة بسبب تعطل الأعمال فور رفع الأذان وهو ما يخالف الحكمة من مد أوقات الصلاة لقضاء حاجات الناس ومراعاة مصالح العباد قبل خروج وقتها النهائي .. أما إصرارنا على التضييق والتشديد وتوحيد المواعيد وفعل مالم يفعله نبي الأمة وصحابته الكرام فيدخلنا بلا شك ضمن قوله : «إن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم» !!