هل نشاط الصحوة المسيس هو الذي أفرز فكر التطرف والانغلاق متزامناً مع الدعوة للجهاد من قبل آخرين..؟ ربما تكون الستينيات بداية انطلاق لفكر الأسلمة الصحوي ولكنها ليست تأسيساً لانغلاق الثقافة وجمود المفاهيم والعزلة عن الإسلام الحضاري بل ربما كان الانغلاق السابق لها مع الجمود والعزلة هو وعاء الاستنبات الذي نمت فيه الصحوة.. إن كثيراً من المظاهر الآنيّة التي تثير الاستغراب توجد تفسيراتها في تلك الحيرة التي كنا نواجه بها مظاهر التضاد بيننا وبين المسلمين الآخرين.. مع أننا يجب أن نسلّم بسهولة اختطاف ذهنية المواطن العربي على مر أجيال تلاحقت حيث مع منتصف القرن العشرين تعاقب على عمليات الاختطاف كل من المد العروبي والشيوعي والبعثي وكل مد يبشر أنه يحمل برمجة الخلاص من تعاسة الحاضر.. المسلمون لم يغيّروا إسلامهم لكن المسيسين الإسلامويين هم الذين لعبوا في أذهان الناس وجعلوا أنفسهم لهم رموزاً وطنية بلباس ديني بعد أن سقطت شعارات العروبيين والشيوعيين والبعثيين بل تم البرهان على إفلاسها.. من مظاهر زوابع الحاضر ما لقيه الدكتور محمد آل زلفة من معاملة بذيئة وغير إسلامية تدخلت في كل شيء يخصه لمجرد أنه ملك الشجاعة وأثار مسألة قيادة المرأة للسيارة بضوابطها المطلوبة وهي فعلاً تقودها حالياً في البادية.. هذه الزوبعة تعطي الجواب على ذلك السؤال الذي لم نكن نملك له رداً في سن طفولتنا وشبابنا عندما كنا نرى المسلمات آتيات مما يزيد على ثلاثين دولة أكثر منا عدداً وأكثر منا آنذاك تعليماً وهن يؤدين مناسك الحج ويتجولن في مكة سافرات الوجوه.. عندما قامت طالبان بتكسير تماثيل حجرية لبوذيين الجميع يعرف أنه لا يوجد أي صاحب ديانة سماوية يمكن أن يعبد حجراً وهو أمر جعلني أفهم جيداً ما رواه لي المرحوم عبدالعزيز الدويش عندما ذكر أنه صحب والده وبعض كبار السن في الزلفي قبل ما يقارب الخمسين عاماً إلى موقع ذكر لهم أن فيه تماثيل حجرية تشبه الخيول فكان أن قاموا بتكسيرها على احتساب احتمالية عبادتها وهي مجرد بعض آثار قديمة كان يمكن الاستفادة منها بالاستدلال على غيرها.. أفهم الآن أيضاً لماذا كان الشيخ علي الطنطاوي قبل خمسة وثلاثين عاماً ظاهرة غير عادية في رؤاه وأفكاره كيف كان محارباً من الركود الذي كانت عليه البيئة آنذاك.. أفهم في بداية الحرب الأفغانية كيف أنه لم يكن يوجد من يكذب ما كان ينشر في جريدة المدينة من مآثر كرامات للشهيد الذي يعرف بتصاعد رائحة المسك من جسده الذي يتصاعد منه النور إلى السماء.. وهكذا فإن كل مظهر عزلة وانطواء في الماضي أصبحنا نفهمه ونفهم سلبياته بعد أن أتت ثقافة غيرنا في الحاضر إلينا..