تطبق الغرامات على محلات بيع المواد الغذائية كمثال في حالة تجاوز الأنظمة، ومن المؤكد أن الغرامات تهدف إلى منع تكرار الخطأ أو التقصير الذي يمكن أن يحصل من هذه المحلات، سواء مطاعم أو مخابز حلويات وما شابهها، وكل ما يدخل بطن المستهلك، كما أنها تهدف بلا شك إلى رفع مستوى الخدمة المقدمة. الأنظمة ومنها الغرامات المالية وأيضا الجزاءات بما فيها قفل المحل أو حتى التوقيف أو السجن أو غيرها هي امتداد للهدف نفسه، وهو منع أي تلاعب في هذا المجال أو النشاط. وهذا كله أثمر خدمة يتم متابعتها نحو الأجود والأكمل وفي حدود خبرات القائمين عليها وتوجيهات وتعليمات الجهات المنظمة لها. لكن التجاوزات تأتي على نوعين: فمنها ما يتعلق بأنظمة سنتها جهات التنظيم كالبلديات مثلا أو الأجهزة الصحية والبيئية، والمخالفة فيها ذات صلة مباشرة بجهات التنظيم، وقد لا يعلم عنها المستهلك أصلا، وليس من المفترض أيضا أن يتعب نفسه في تتبعها ما لم يكن هدفه دعم جهة الرقابة ومعونته لها، وإلا فإن معرفته بها وعدم معرفته سيان. مثل الشهادات الصحية للعاملين واللوحة وتاريخ تجديد الرخصة وديكورات وأبواب المحل... الخ والمخالفة في هذا المجال وفرض العقوبات والغرامات تكون بين جهة التنظيم ومقدم الخدمة، يصطلحون على ما يريدون، يرفعون قيمة الغرامة أو يخفضونها أو يلغونها يغلقون المحل أو يبقونه، كل هذه الأمور لا تقع في دائرة علم ومباشرة المستهلك. ومن التجاوزات والمخالفات ضرر مباشر على المستهلك، وهو ما يعنينا هنا فيحدث من مقدم الخدمة مخالفة لحق الضرر بمستهلك معين، كأن تكون وجبة الطعام ملوثة، أو المواد الغذائية منتهية الصلاحية وتسببت في تسمم، أو أن المطعم قدم لحوما فاسدة، وغيرها الكثير، ولم تكتشف من قبل مراقبي الصحة سواء في البلديات أو غيرها إما إهمالا وهو محتمل أو تسترا على مقدم الخدمة وهو أيضا غير مستبعد أو قلة عدد المراقبين الميدانيين وهذا حاصل في كل القطاعات أو تحايلا من مقدم الخدمة بشكل أو بآخر، وإنما تم كشف المخالفة من قبل معدة المستهلك وبطنه، فهو الذي كشف أن هذا الطعام فاسد من خلال رفضه وألمه وتقلص معدته واستفراغها، ثم مرض صاحبها واستقبال المستشفى لحالة تسمم غذائي سببه المطعم الفلاني لعدم نظافة فيه أو لفساد أطعمته أو سوء تخزين المواد أو أي سبب آخر، والبلدية أو جهة المراقبة يطالها ما يطال المطعم في هذه الحالة وإن كان لها دور في وقوفها في صف المستهلك، لأن دورها كحكم يبحث عن الحقيقة لا يعفيها من ضمها معه. ما الذي يجعل البلدية مثلا أو أي جهة تنظيمية، تحيد المكتشف الحقيقي والمتضرر الفعلي والمتألم من الموقف، وتفرض الغرامة على صاحب المطعم أو المخبز أو غيرهم لصالحها وتجير النجاح في كشفه وتضيف مبلغ الغرامة في صندوقها، وتعتبر أن هذا الإجراء قد أعاد للمستهلك حقه، وعوضه عن الضرر الذي لحق به، وتعتقد أن هدف المستهلك هو رد الاعتبار بهذا الإجراء؟ وقد تزيد على ذلك بتصدر وسائل الإعلام بأنها فعلت وفعلت كنوع من مزيد النجاحات، وربما صاحب ذلك نوع من الفخر بتلك العقوبات على أنها إنجازات وهي عكس ذلك، قد تكون نتيجة تراخ منها مدة طويلة وبانت من خلال بطن المستهلك؟ ربما تكون الجهة بتراخيها عن الرقابة هي السبب أيضا، فتهمل في جانبها ثم تقتطع الغرامة لصالحها وتبرز موقفها في النهاية على أنها هي المنقذ؟ هل المستهلك يفيده في هذه الحالة على المستوى الشخصي معاقبة المطعم بغرامة أو غيرها؟ لقد تسمم وانتهى، والغرامة بالذات أو قفل المحل هو تهيئتة لخدمة أحسن ولمستهلك آخر لا يعنيه الآن. إن هناك تضررا لحق بالمستهلك وهو التسمم، ولم يعوض عنه، ولا أقصد بالتعويض قيمة ضرر، أو ثمن الصحة والمعدة، ولكن رد اعتبار جراء الإهمال في حقه، واعتذارا يقدم له. نحن والحالة تلك نتجه ناحية النظم وتطبيقها وأن الإخلال بها يستوجب المعاقبة، وهذا يصدق في حق التقصير في وضع اللوحات ولافتات المحلات والواجهات الزجاجية وما شابهها من شهادات صحة العاملين وخلوهم من الأمراض، ولكنه لا ينسحب على ما يتصل بالضرر الحاصل على الغير، فلم نضع في الاعتبار طرفا ليس شريكا في هذه النظم، وإن كان هو المستهدف منها ، لكن تلك الأنظمة وضعت من باب الاحتياط والتحرز، ومثلها ذلك الطريق (الشارع) العام بما فيه من إرشادات وتعليمات ورصف وتخطيط وإشارات تنظم السير ، لكنها تحفظ حق المتضرر من الطريق في حالة تعدي صاحب سيارة على آخر، فيعوض المتضرر من قبل المتسبب وشركات التأمين تعمل على هذا. وفي الشارع مثلا أشجار ونخيل، وأي ضرر يلحق بهذه الأشجار كاصطدام سيارة بها، فإنه يتم التعويض عنها لصالح الوزارة التي تتبع لها تلك الأشجار والتي لحق بها الضرر، وهذا حق مشروع لها إن قدرت الغرامة من غيرها حتى لا تبالغ. وخدمات المستهلكين ينطبق عليها الشيء نفسه، فمعدة المستهلك تضررت من مقدم الخدمة وبطنه تسمم وجسمه ليس ملكا للبلدية، والإهمال لحق به هو شخصيا، فماذا ينفعه إن تم تغريم المحل أو لم يتم ما دام المستفيد هو صندوق البلدية؟ المستهلك يفترض أن يكون له حق التعويض وتتصل الغرامة بحجم الضرر الذي لحق به، وتدخل في حسابه الخاص وليس في حساب البلدية أو غيرها من الجهات الصحية، ويمكن لشركات التأمين الدخول في هذا التنظيم.. من جانب آخر وهو المهم، فإن جهات الإشراف على المطاعم وغيرها لن تكون في موقف المتضرر والحالة تلك (إن لقحت وإلا ما ضرها الجمل)، وبالتالي لن يلحقها اللوم في شيء حتى ولو كانت بالفعل مقصرة في عملها ومتابعتها للمطاعم التي في نطاق إشرافها، بينما المطعم حسب وجهة نظره وما يشعر به متضررا دائما ولن يكون مستفيدا ماديا من النظام، خاصة وأنني لم أسمع يوما أن البلدية قامت بمجهود توعوي إرشادي على شكل ندوات أو محاضرات تبصر وترشد أصحاب المطاعم وغيرهم بالطرق الصحية، ولا أجدها توزع منشورات ومطويات ولا تمنح جوائز تشجيعية للمتميز منها، وإن كان هناك شيء من هذا فلم أطلع عليه ولم أقرأ في الصحف ولا رأيت في برامج التلفزيون توعية بلغات من يعمل فيها ترشدهم، والمستهلك أيضا متضرر دائما في حالة وجود تقصير، سواء تقصير المطعم نفسه أو تقصير الرقابة عليه، وفي النهاية يكون مهمشاً وإن بدا لنا أن كل ما يحصل هو من أجله، لكن البعض منهم لا يشعر بهذا. حفظ الله الجميع من كل مكروه.