عندما قرأتُ خبر الشابة الهولندية التي أبحرت وحدها حول العالم في مركب شراعي بدأتُ أسترجع كيف يتعامل بعضنا مع أبنائه، وما هي الأساليب التي يتبعونها في تعليمهم وتربيتهم وبناء شخصياتهم. تذكرت أن أحدهم يرفض أن يذهب ابنه وحده إلى البقالة المجاورة للمنزل. أما إذا أراد الشباب القيام برحلة برية فهذه مغامرة خطيرة ولها شروط وتعليمات ونظام، ولا يدري الشاب هل يستمتع بالرحلة أم يرد على اتصالات الأم المتواصلة: - هل وصلتم؟ - انتبه يا وليدي لا تمشي بدون شرّاب. - عسى ما معكم فحم؟ - من اللي يسوق السيارة؟ ثم اتصال آخر: - أكيد برد وأنت ما أخذت ملابس هذا اللي ما يسمع الكلام. - وش غداكم؟ - معكم صابون؟ وهكذا لا يجد الشاب فرصة ليتعلم بنفسه ويكتسب الخبرات كما فعل الآباء والأجداد. هو محاط بالخوف المبالغ فيه، وعدم الثقة بقدراته، والحرص الدائم من الوالدين على توفير كل شيء من الماديات إلى المعلومات. هذا الجو التربوي غير الايجابي قد يوجد في المدرسة أيضاً حيث يغلب أسلوب الاتصالات ذات الاتجاه الواحد أي من المعلم، أو المدير أو المشرف إلى الطالب وهو اتجاه يحمل التعليمات والتوجيهات، وربما التأنيب، ونادراً ما يحمل التقدير والتشجيع، والثقة، والحث على الاكتشاف وتعزيز روح المغامرة والبحث والإقدام. عندما سمع شاب والده يردد هذه الأفكار قال له بلهجة الاستغراب: ولكنك لا تسمح لي بقيادة السيارة رغم أنني أجيد القيادة. فيرد الأب: نعم أنت تجيد القيادة، ولكن هناك فرق بين الشجاعة والاقدام، والثقة واحترام النظام. أنا أثق في قيادتك ولكن عمرك لا يسمح لك نظامياً بقيادة السيارة.