لم تكن أهم عبارة قالها الأمير سعود الفيصل في كلمته أمام المجلس الوزاري بالقاهرة هي سحب المراقبين من بعثة الدابي رغم أهميتها وتصدرها لعناوين وسائل الإعلام. فالأهم منها كان طرحه لحل المأساة السورية. الفيصل أوضح بان "الحل لن يكون إلا بالتجاوب مع تطلعات الشعب السوري عبر تحقيق انتقال سلمي للسلطة". الحق أن النظام السوري جعل من الصعب على الجميع التماس أي حل آخر. فالمؤتمر الصحفي الأخير لوزير الخارجية السوري وليد المعلم، وقبله مؤتمر معلمه، ينسف أي إمكانية لحل عربي طالما ان هذه هي الطريقة التي تدير بها القيادة السورية أزمتها. تلك الطريقة وصفها الفيصل بالقول "لم تكتف السلطات السورية بعدم تنفيذ ما تعهدت به، بل بادرت إلى اتهام القادة العرب ودولهم بالتآمر وانتقصت عروبتهم". الملاحظ انه مع كل إطلالة إعلامية لأركان النظام السوري يسوء الموقف السوري أكثر. فالنظام لا يرى سوى نظرية المؤامرة في كل مسعى عربي، وهو لا يكل عن وضع القصص الرديئة كي يبرر تصرفاته. خياله يصور له بان الادعاء بوجود مجموعات مسلحة تقتل حصرا المحتجين عليه يمكن له ان يصدق. وحتى عندما حاول إثبات وجود أولئك المسلحين واعتدائهم على المواطنين بمقاطع فيديو لم تسعفه بلادته في فبركة مقاطع خاصة به، بل لجأ للانترنت وزور مقاطع قديمة مسرحها لبنان مدعيا انها حصلت في سوريا. أكاذيب لا تنتهي تجعل المرء يحتار في فهم دوافع طريقة التفكير السورية. هل يخال الوزير المعلم إن جمعه لمراسلين من وسائل الإعلام الدائرة في فلك نظامه وجعلهم يستمعون لتعليقه ثم إجابته على أسئلتهم كفيل بإيضاح وتحسين الموقف السوري وجلب التعاطف له؟ وهل يخال إن تصفيق المراسلين الذي ضجت به القاعة بعد تعليقه، غير المهذب، على كلمة الفيصل بالقاهرة سيجعل موقف النظام أقوى؟ ألم يتنبه من رتب تلك المسرحية بان القاعدين أمام المعلم يفترض فيهم ان يكونوا مراسلين، لا كتاب رأي، وواجبهم المهني يحتم عليهم الحياد ونقل وقائع المؤتمر، بأمانة، إلى قرائهم.؟ جواب هذه الأسئلة يجعل المراقب لفصول المأساة السورية الدامية يدرك بان لا أمل يرجى في إصلاح النظام. فالواضح ان النظام ليس له رأس واحد تقطع فينصلح الحال، بل هناك منظومة متكاملة قوامها العصبية المذهبية التي لا تتورع عن الإجرام والفساد في سبيل تحقيق هيمنتها على السوريين. بقي رجاء أخير للنظام السوري وهو من يزعم بانه المشعل الذي علمنا العروبة والإسلام وسيعلمنا الديمقراطية والتعددية. هل كان أكثر كرما وعلمنا، أيضا، فضيلة التضحية بالفرد من اجل الجماعة. نعده، ان فعل، بان يكون هذا هو الدرس الأخير.