قامت وزارة الصحة بتغريم منشأة صحية خاصة 50000 ريال بسبب تشغيلها طبيب حكومي، وأنا على يقين أن تلك المنشأة استفادت من الطبيب مئات الألوف، ولدي القناعة أن الغرامة المذكورة تعد لا شيء في عالم الفائدة المالية للقطاع الصحي وتعد أيضا Low Risk لتشغيل الأطباء الحكوميين المميزين الذين يجني منهم القطاع الخاص مئات الملايين على ظهر القطاع الصحي الحكومي والمرضى المغلوب على أمرهم. تقوم الدولة - حفظها الله - ممثلة بالقطاع الصحي الحكومي، والقطاعات الصحية العسكرية الأخرى بالحرص على الأطباء، والعمل على تحسين أدائهم لتقديم أفضل ما عندهم في المهنة الطبية، وذلك بالتدريب والتعليم والمميزات الأخرى، فلهم الأولوية في كل المميزات والمحفزات عن الموظفين الآخرين، ثم يأتي القطاع الخاص باتفاق مع الطبيب ويأخذها "باردة مبردة" ويستفيد من طبيب صنعته الدولة وأتقنت صنعه. القطاع الصحي الخاص أصبح (يعيش على دماء القطاع الصحي الحكومي) ولكي اقرب الصورة دعوني اشرح كيف يأخذ القطاع الخاص "لب" فائدة الطبيب ويترك للحكومة رعايته: تقوم المستشفيات الحكومية بتعليم الطبيب، وابتعاثه، وتدريبه على مدى سنوات لتصقله في المهنة، وهذه تكاليف على النظام الصحي الحكومي، سنويا تقوم المستشفيات بإعطاء الأطباء دورات تدريبية وحضور ندوات خارجية وداخلية بمبالغ ليست باليسيرة لتطوير ومتابعة كل المستجدات الطبية. تقوم المستشفيات بدفع 11% من راتب الطبيب للتأمينات الاجتماعية أو التقاعد شهريا لتأمين حياة الطبيب بعد التقاعد، رواتب شهرية جدا عالية، إجازات سنوية تصل لشهرين بالراتب كامل، المميزات الأخرى من بدلات كالسكن والندرة وغيرها كثير. جميع ما ذكر يقدم لكي تستفيد المستشفيات الحكومة من الطبيب، هل يعقل بعد ما تقدمه المستشفيات الحكومية للأطباء السعوديين (من دون ادني مشاركة من القطاع الخاص)، أن يقوم مستشفى آخر خاص بالتعاقد معه، والاستفادة تكون بين الطبيب والمستشفى الخاص، والجهة التي بذلت الغالي الثمين في إبداعه وجعلته طبيبا ماهرا (تخرج من المولد بلا حمص)؟ الجميع يعلم انه نظاما لا يسمح للطبيب الحكومي بالعمل في القطاع الخاص، ولكن التجاوزات واضحة لهذا النظام، بل تكاد لا تخلو المستشفيات الخاصة من وجود أطباء تابعين للقطاع الحكومي!! أيضا من الجهة الأخلاقية ففيها نظر إذ (الخوف) من قلة من الأطباء بتوجيه مرضاه في المستشفى الحكومي إلى الخاص الذي يعمل فيه، وإن ذهبنا لنظام العقوبات الموجود حاليا فمن السهولة الإفلات منه ما لم توضع عقوبات رادعة، أو احتواء هذا التجاوز وجعله مفيدا بشكل عام، لذا أرى أن تجاوز هذه الإشكالية أن يعاد النظر في ما هو حاصل الآن وذلك عن طريق مقترحين وهما الأتي: عند حاجة المستشفى الخاص لأحد الأطباء الحكوميين يكون التنسيق بين المستشفى الحكومي والخاص، بحيث تكون هناك نسبة معينة من الدخل للمستشفى الحكومي، وذلك مقابل ما يقدمه المستشفى الحكومي من خدمات للطبيب أهلته وساعدته لجعله متقنا مهنته الطبية، وتسن شروطا لضبط العملية، فمثلا أن يكون التعاقد خارج أوقات الدوام الرسمية، وبساعات معينة تضمن عدم تأثيرها في الطبيب مع عمله لدى المستشفى الحكومي. أو لماذا لا يتم التعامل مع هؤلاء الأطباء المميزين (ممن لم يؤهلهم المستشفى لنيل الشهادة) كما يتعامل معهم القطاع الخاص، وذلك بمبلغ مقطوع على حسب الإنتاجية، بحيث إذا أراد الطبيب العمل لدى عدة مستشفيات خاصة، وحكومية فيجب عليه ترك العمل، ومن ثم يتعاقد معه المستشفى الحكومي بنفس طريقة تعاقده مع الخاص ويكون المستشفى استفاد من عدة نواح: وجود الطبيب في المستشفى، أيضا ستتخلص وزارة الصحة والمستشفيات الحكومية من أعباء مالية كثيرة كما ذكرت في الست نقاط السابقة، وكذلك تحقيق ما يعَول عليه من يؤيدون نظرية عمل الطبيب الحكومي المميز في الخاص، وهي وجوده في عدة منشآت ويستطيع أي مواطن الوصول إليه. منعطف: رأيت فيما يرى النائم حلما كدر صفوي وأخشى أن يكون حقيقة في يوم ما.. رأيت فوضى عارمة في احد المستشفيات الخاصة، ورأيت مجموعة تهرع إلى مخرج الطوارئ هربا من مجموعة أخرى قادمة، وعند سؤالي تبين أن القادمين هم لجنة تفتيشية من وزارة الصحة، والهاربون أطباء حكوميون!! كنا مجموعة من المراجعين وتداولنا القصص عقب المنظر، فذكر احدهم قائلا تصدقون احد الأطباء في احد المستشفيات الحكومية يأخذ 500 ريال بمجرد تحويل أي مراجع لمستشفى خاص تم الاتفاق معه وكلمة السر (ورقة صغيرة). فذكر احدهم قائلا، خذ هذه.. تعطل جهاز في احد الأقسام الطبية مما اتخذه احد الأطباء ذريعة لتحويل مرضاه إلى عيادته الخاصة مع إمكان توفيره بالمستشفى لو طالب به القسم. صحوت من منامي أتصبب عرقا و(تكة) في الصدر تؤلمني وحمدت الله انه حلم وليس حقيقة.. * مساعد مدير إدارة طب الأسرة والمجتمع