حدث متأصل في ذاكرتي، وصورة راسخة في فكري تعاودني كلما أعاود الماضي في حياتي فقد كنت دائم الزيارات للمدن التي يدرس في جامعاتها طلاب سعوديون تحرم الظروف الإنسان أحياناً من سعادة كبرى.. كم كان يأمل أن يحظى بها.. ومما حرمت منه حقاً ذلك العرس الاحتفائي الكبير الذي التقى فيه أكبر حشد من الأوفياء، وأوسع تجمع للمخلصين الأصفياء وهم يحتفلون بمن له في القلوب صادق الحب، وفي النفوس شامخ القدر، وفي حياتنا الوطنية موقع رفيع، وفي ذكرياتنا حين كنا شباباً - موفدين للدراسة في بلد غريب بعيد عنا هو الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكان الشقة المدنية بيننا وبينهم واسعة المدى آنذاك - ولا نزال حتى الآن ونحن كبار نحمل أطيب المشاعر عندما يذكر والدنا وحبيبنا عبدالعزيز بن محمد المنقور. ** ** ** أيها الأستاذ المعلم.. في مثل حالك معنا.. وفضلك علينا قال صديقي الشاعر: كلمات صادقة، وأبياتاً بالولاء والوفاء ناطقة لمعلمه حين كان في الغربة.. أجدها معبرة عن بعض عميق مشاعري، وصادق أحاسيسي تجاه أستاذي وصديقي عبدالعزيز بن محمد المنقور.. أطال الله عمره، ومتعه بالصحة والعافية، قال: للفضل أهلُ أنت فيه السابقُ الكل يشهد أنت أنت السامق آويتنا وجمعتنا في غربة وحنانك الدفاق دوماً طافق كنا هناك كأسرة يا والد لجميعنا، والحب عندك دافق إني بعرفاني لفضلك حافظ عهداً لكم، والعمر عمرك لاحق ما كان كل نجاحنا إلا بما أسديت من حث وأنت الصادق ** ** ** أستاذي.. وأظل أصدق القول فخوراً بأنك حقاً أستاذي... إن الاحتفالات مهما بلغت وتعددت فهي محاولة للتعبير عن مشاعرنا.. لكنها لن توفي بحق ما لك في نفوسنا، ولا تعبر عن كل ما نحمله لك من عرفان في صنع حياتنا. لقد كنت يا أبا محمد.. بل أقول يا أبا كل من حظي برعايتك، وغمره عونك.. كنت هذا كله في زمن ومكان حين ذهبنا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية كنا بحق غرباء لا نعرف عن خارج بلادنا شيئاً، وكان ذلك لنا هزة حياتية حضارية كبيرة ما كان كثير منا قادراً على أن ينجو من مهول ما لقي من حياة كلها جديدة علينا إلا بفضل الله، ثم توجيهك وتسديدك هناك لنا، وإحاطتنا بذراعيك، وطمأنتنا بأبوتك لنا؛ فكنت لنا في هذه الغربة الوطن والأهل، والأستاذ والحامي من الزيغ، والموجه للخير. ** ** ** ولمن نسي ذلك كله أقول: وأنا مثال لكل الطلاب السعوديين الذين درسوا هناك في الجامعات الأمريكية في ذلك العصر الذي كان فيه الأستاذ المنقور مشرفاً ثقافياً، وعلمياً، وعاطفياً، ومستشاراً أميناً.. أقول: لقد غادرت بلادي - وهي المرة الأولى التي استقل فيها طائرة - ولم يكن عندنا هاتف ولا تلفاز، ولا أي شيء مما هو حولنا من معطيات المدنية التي تملأ الآن حياتنا، وطوع استعمال صغارنا وكبارنا. أمضيت ست سنوات في الولاياتالمتحدة لم تكن هناك وسيلة اتصالات بالأهل والوطن إلا من خلال الرسائل المكتوبة التي تستغرق أياماً طويلة لتصل إليهم أو منهم. لا أنسى أني إثر وصولي هناك فزعت فزعة كبرى مهولة حينما دخلت لأول مرة في حياتي (سوبر ماركت)؛ فكم كان الفرق بينها وبين دكاكين بلادنا الصغيرة - آنذاك - مهولاً.. أما اليوم فإنني أطيل الحديث مع ابني هناك بالصوت والصورة كأنه بيننا نشاهد طعامه وكتبه، ونحادث زوجته، ونعرف زواره وكل عمل في يومه، وعندنا في وطننا السعودي من المتاجر الفخمة والبقالات الواسعة مثل ما عندهم، ونعرف - ونحن في عقر دارنا - كل ما يجري في الدنيا.. كأنه بيننا. ** ** ** أستاذي الجليل.. حدث متأصل في ذاكرتي، وصورة راسخة في فكري تعاودني كلما أعاود الماضي في حياتي فقد كنت دائم الزيارات للمدن التي يدرس في جامعاتها طلاب سعوديون؛ وفي إحدى جولاتك حينما دعينا لشرف اللقاء بك في جامعتنا التي كنا ندرس فيها هناك جمعتنا نحن كل أبناء هذا الوطن الدارسين في تلك الجامعة متحلقين حولك، وما كان لي ومن معي في ذلك اللقاء أكثر من أربعة أشهر، تسألنا عن حالنا الدراسية، وكان يجيب بقوله OK، وحين جاء دوري وكنت الجالس الأخير على يسارك قلت لك مصارحاً: الآن فقط بدأت أعرف المعنى الحقيقي لكلمة OK، وأنا لست OK.. فأجبتني مطمئناً رابتاً على كتفي قائلاً: لا تقلق يا محمد.. أنت الصادق في قولك، الصريح في التعبير عن حالك، وستكون - إن شاء الله - محققاً لكل آمالك، وستكون بحق OK. ** ** ** إني وكل محبيك وعارفي فضلك سنظل نحتفي بك.. كما كنت في الغربة تغمرنا منذ أمد طويل بحبك الدافق، وأبوتك الحانية، وتوجيهك الناصح.. نريد أن نعبر لك عن صادق حبنا لك، وعرفاننا بفضلك. فجزاك الله عنا كل خير.. وأطال بالصحة والسعادة عمرك. ** ** ** أما الأحبة والزملاء الذين أسعدونا بترتيب ذلك الاحتفاء فإنهم مستحقون كل التحية والتقدير والعرفان لنبيل وفائهم، وأصيل عرفانهم لرجل يستحق منا جميعاً هذا وأكثر. فليكن مثل هذا الوفاء ديدننا لكل من يستحق الوفاء. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.