جاء هذا الجواب بشكل تلقائي من ممثل كويتي سئل عن التشابه في الاسم بينه وبين ممثلة شابة اقتحمت الساحة الدرامية حديثاً. أنكر بأغلظ الأيمان معرفته بهذه الممثلة وزاد على ذلك بتأكيده بأنه "ولد حمولة" لا يسمح لأخته أن تنتمي للوسط الفني!. ولاشك أن إجابة كهذه تفضح الاعتقاد "المخبوء" المُهيمن على عقلنا الباطن، والذي يحتقر الفنون والمنتمين لها، ويخجل منها، وقد بلغت سطوة هذا الاعتقاد أن الفنانين أنفسهم باتوا يحتقرون "الفن" ولا يؤمنون به، حتى عادل إمام لم يسلم من هذا فتحدث بشكل مخجل عن زميلاته الممثلات. لسنا هنا في معرض البحث عن أسباب النظرة الدونية للفنانين والفنانات، لكن نظرة عجلى في التاريخ الإسلامي ستجعلنا نلمس بداية تكوين هذه النظرة في العصر العباسي، حيث ارتبط الفن بالجواري و"الغواني"، مع ما أحاط بهن من لهو وغنج وتبذّل تم توثيقه في أشعار كبار مُجّان ذلك العهد، فكان ذلك كافياً للأئمة أن يشنعوا هذا العالم ويصفوه بأقذع المعاني التي لا تعبر إلا عن احتقار شديد للفنون ولكل منتم لها. ومع أن العصر الحديث قد حرر مفاهيم كثيرة من سيطرة هذا الفكر إلا أن الفنون لم تتخلص بشكل كامل من نظرة "الاحتقار" المتجذرة في عقلنا الباطن منذ قرون، وفي الوقت الذي يستمتع فيه العرب الآن بمتابعة الفنون ويستمعون للأغاني ويشاهدون الأفلام، نجدهم يشمئزون من الوسط الفني ويكيلون ضده نفس التهم القديمة، في مفارقة مخجلة، واستغلالية، وأنانية، نمارسها ضد الفنانين؛ حيث نأخذ منهم إنتاجهم ونستمتع به، ولا نعطيهم مقابل ذلك الاعتراف والتكريم والاحترام الذي يحتاجونه للاستمرار في إبداعهم. إن من مساوئ هذه النظرة أنها تجعل الموهوب والمبدع الحقيقي ينأى بنفسه عن الوسط الفني، فلا يبقى أمامنا إلا الفنان البسيط عديم الموهبة الذي يُقدم أعمالاً سيئة تُكرّس أيضاً من نظرة الاحتقار. لو كنا نحترم الفن لوجدنا بين ممثلاتنا الموهوبات المثقفات، بل والأكاديميات كما في أمريكا، ولرأينا الأعمال العظيمة التي تلقى تقدير المجتمع، لكن بدلاً من ذلك نقوم برمي التهم المخجلة تجاه أي ممثلة وأي إعلامية، ثم نطالب بعدها بالإبداع، متجاهلين حقيقة ثابتة وهي أن الإبداع لا يأتي إلا بعد الاعتراف ولا ينمو في الدهاليز الخلفية التي حشرنا فيها الفن وأهله. لا يمكنك انتظار الرُّقي من شخص أنت تحتقره، كما لا يحق لك أن تعترض على وجود المذيعات العربيات في التلفزيون السعودي وأنت ترفض ظهور المذيعة السعودية؛ لأنك "ولد حمولة"!.