غياب الممثلة السعودية عن الساحة الفنية المحلية، رغم الطلب المتزايد على الأعمال السعودية من قبل الفضائيات العربية، أمر أرق قلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة من هؤلاء الممثلات لأعوام طويلة، خصوصاً وأن تقاليد المجتمع حكمت عليهن بالنظرة الدونية، لكونهن امتطين صهوة مهنة "فاسدة" بحسب آراء الكثيرين. اليوم ارتقت تلك النظرة لدى البعض، فيما ازداد الغضب تجاه نموها "الخجول" عند جموع عدة، ما جعل أمر خروج ممثلة سعودية على الشاشة مقرونا بإخفاء اسم العائلة، أو الهجرة لدول الجوار، أو الإذعان لسهام "الغمز" و"اللمز"، وتحمل تبعات الظهور العلني. أسباب الغياب بحسب حديث بعض هؤلاء الممثلات وعدد من أهل الوسط الفني ل"ثقافة اليوم"، تبعثرت ولم تستقر على رأي واحد. منهم من ركل الكرة في مرمى المجتمع، ومنهم من كان متفائلاً بالمستقبل، ومنهم من كان جريئاً في رأيه، ومنهم من حمّل "أمزجة" المنتجين المسؤولية، ومنهم من طلب إعفاءه من الحديث في الموضوع برمته، وعدم ذكره اسمه في ثناياه لاعتبارات مختلفة. فنزلنا عند الرغبات، وخرجنا بما هو آت. تقول الممثلة السعودية مريم الغامدي: "الفتاة السعودية التي تفكر بدخول مجال التمثيل، ستصطدم بجدار المجتمع القريب منها، بدءاً من الأسرة التي قد توافق أو ترفض، ولكن عند التفكير في المجتمع الكبير، ستتوحد الآراء على الرفض المطلق". وتزيد: "هناك مواهب وطاقات سعودية، وشخصياً أشهدها من خلال حضوري للعديد من المشاهد المسرحية التي تقام في مدارس البنات، كما أن بريدي الإلكتروني يتلقى عشرات الرسائل من قبل فتيات سعوديات يبحثن عن دعمهن لدخول مجال التمثيل، إلا أني أؤكد لهن دائماً بأن دعمي مرتبط بموافقة أهاليهن، وبعض منهن يستسهل الأمر، ويطلب المشاركة والالتحاق بالمجال بالسر، فأعيد تأكيدي عليهن، بأن المسألة ليست بالسهولة التي يتخيلن". وتشير الغامدي إلى أن النظرة تجاه مهنة التمثيل "بدأت تتغير عن السابق، بدليل أن هناك عددا من الأهالي الذين يتصلون ويبدون الرغبة بإشراك بناتهم في التمثيل، فهي مهنة كالمهن الأخرى، الاختلاط ليس محصوراً فيها، إذ يوجد في المستشفيات وبعض المؤسسات والشركات". وتتابع: "مازلت أذكر الضجة التي صاحبت ظهوري على الشاشة كممثلة من قبل البعض، الذين أحسوا بأني أنزلت مستواهم بهذه المهنة، خصوصاً وأنهم عرفوني مذيعة في إذاعة الرياض". وتلفت الغامدي إلى ضرورة أن تكون هناك "دورات مكثفة تعوض غياب المعاهد المتخصصة، وتضمن التدريب المناسب لقواعد التمثيل لمن يرغب بخوض غماره، حتى لا يخرج على الشاشة إلا من يجيد المهنة ولا يسيء إليها". فيما تشير الممثلة السعودية ناجية الربيع، والتي تقيم في القاهرة منذ أكثر من عشرة أعوام، إلى أن "طبيعة المجتمع السعودي المحافظ، تجعل فرصة ظهور ممثلة سعودية أمرا شائكا، وذلك لاعتقاد سائد بصعوبة تعامل المرأة مع الرجل بين كثير من فئات المجتمع، وإن كان الوضع قد بات أقل حدة منه في أعوام مضت". وتتابع: "متى ما أتيح المجال للممثلة السعودية، ووجدت الدعم الكافي، فإنها ستبدع، ولكن للأسف الشديد أن الكثير من المنتجين السعوديين يحجمها في مشاركات هامشية، رغم أحقيتها بتمثيل دور ابنة البلد، عوضاً عن الفنانة الأجنبية، والتي تتقاضى الأجر المرتفع علاوة على ذلك". وطالبت الربيع الإعلام السعودي بوسائله المختلفة، بضرورة دعم الممثلة السعودية، "لا بد من زرع الثقة في الوجوه الشابة ومنحها الفرصة، وكذلك تكريمها في مهرجانات محلية وعربية". وتؤكد الممثلة والمخرجة المسرحية السعودية ميرفت المنصوري على أن "المجتمع عامة يرفض الفنانة كاسم، وذلك لمنظور خاطئ يصور الاختلاط فيه بالأمر المشين، على رغم أن التمثيل مهنة كبقية المهن، إذ نلتزم فيه بحدودنا في العمل، وبمجرد الانتهاء من أدائه تنقطع علاقتنا به إلى حين القيام بعمل جديد"، لافتةً إلى أن "بعض الأفلام القديمة القادمة من إحدى الدول العربية، أظهرت الفنانة في شكل سيىء، لا يزال راسخاً حتى الآن في عقول الكثيرين". وأضافت: "الممثلة السعودية تملك كل الإمكانات الثقافية والفنية التي تخولها اقتحام الساحة الفنية، شأنها شأن نظيراتها الخليجيات، ولكن للأسف أن الكثير من المنتجين السعوديين يتجاهلونها على رغم أنها الأحق بتمثيل مجتمعها في الأعمال المحلية". وأشارت المنصوري إلى تفاؤلها بتغير نظرة المجتمع تجاه مهنة التمثيل، مستشعرة ذلك من "الترحيب الذي ألقاه من السيدات، إذ أصبح هناك أكثرية مرحبة منهن، بخلاف ما كان في الماضي". وطالبت باستحداث لجنة من المتخصصين في المجال، تعنى بإجازة من ترغب في التمثيل، حتى "لا يعج الوسط بمتطفلين يغلفونه بالإساءة". أما الممثلة السعودية الشابة ريم عبدالله، والتي ظهرت كوجه نسائي جديد في عدد من الأعمال المحلية في رمضان الماضي، فترى أن "الجانب الديني، وطبيعة المجتمع وعاداته، إلى جانب غياب معاهد التمثيل النسائية المتخصصة، جميعها أسباب رئيسة في ندرة الممثلات السعوديات". وأبدت عبدالله تفاؤلها بتغير نظرة المجتمع للتمثيل "لأن هذه النظرة تغيرت تدريجياً تجاه مهن كثيرة، كانت مرفوضة في السابق، كما أن المؤيدين والمعارضين سيظهرون في أي مكان"، مشيرة، إلى انها على المستوى الشخصي، لاقت دعم وتشجيع أسرتها عند دخولها المجال الفني.. ويرجع المنتج والممثل السعودي حسن عسيري غياب الممثلة السعودية إلى "افتقادنا في الأصل إلى الشرعية التي تقنن الفنون وتنقلها من الحلال والحرام والجدلية إلى الوعي والتقبل، إلى جانب الافتقار إلى البنية التحتية من معاهد وجهات تعنى بتدريب وتخريح ممثلين جيدين". ويتابع: "وجود ممثلة سعودية أمر لا يعنيني، لكوني أتفهم طبيعة مجتمعي، ولأصدق مع نفسي أيضاً، لأن المجتمع بمجمله لن ينظر لهذا الموضوع باحترام". وزاد: "نعم، هناك حاجة للممثلة السعودية، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت طويل حتى تتحول النظرة السلبية تجاه الفن ككل، فهي قضية يحكمها المجتمع، خصوصاً وأن هناك رجالاً لديهم الرغبة في تجربة التمثيل، ولكنهم يخجلون لاعتبارات مجتمعية". ورحب عسيري بالممثلات السعوديات الموهوبات شريطة موافقة بيئتهن المحيطة، "لأننا كمنتجين ندخل في متاهات واحراجات عدة، نتيجة اعتراض بعض الأسر على ظهور فتاة من محيطهم في الوسط الفني، بعد أن تكون قد قطعت معنا شوطاً في التمثيل، وهو ما يحملنا تكاليف مادية إضافية، نحن في غنى عنها". أما المنتج والمخرج السعودي خالد الطخيم، فيرى أن غياب الممثلة السعودية عائد ل "سبب اجتماعي بحت، فالمجتمع لا يزال للأسف ينظر إلى الفن نظرة قاصرة، فيها كثير من الانتقاد". وتابع: "لا ينفرد المجال الفني عن غيره من المجالات، فمثلاً في دراسة الطب تتردد بعض فئات المجتمع كثيراً، في دفع بناتهم إليه، خشية موضوع الاختلاط، وهذه المسألة تبرز أكثر في مجال الفن، لأن هناك إحساسا بالريبة من المجتمع تجاه هذا المجال". وأضاف: "تغيير الصورة النمطية عن الفن كفيل بتغيير النظرة المجتمعية، خصوصاً وأن هذه الصورة النمطية الراسخة، تجعل الفتاة تتردد كثيراً قبل التفكير في دخول التمثيل". وزاد: "أي مجال من المجالات فيه الحسن والرديء، وليس الأمر مقصوراً على الفن وحده، ولكني لا ألوم أي إنسان في المجتمع يفكر تفكيراً سيئاً نحوه، لأن الفن في الأصل، لم يقدم كمجال جيد يمكن أن تعمل فيه المرأة، خصوصاً وأن الوسط يضم من جانب الذكور مستويات أكاديمية رفيعة ومعروفة للجمهور". وأشار الطخيم إلى أن ما ينقص الدراما السعودية هو "أن المرأة السعودية لا تتحدث عن نفسها، إذ يأتي من يتحدث عنها، لنجد مثلاً الأم بحرينية والأخت قطرية.. وهكذا..". متمنياً أن يكون هناك "مشروع يستهدف تغيير تلك الصورة المبتذلة عن الفن، ويشترك في تنفيذه وسائل الإعلام والكتاب والفنانين والمنتجين".