تحظى الفتاة في المملكة سنوياً بحصة جيدة من برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله -حفظه الله- للابتعاث، ولكنها تواجه مشكلة رئيسة تتمثل في وجود المحرم المرافق لها، وبغض النظر عن شروط هذا المحرم وما يتمتع به من صفات تؤهله أو لا، فإن الكثير من الفتيات يعانين من هذه المعضلة، والتي باتت تحطم أحلامهن بشكل أو بآخر. وعلى الرغم من مضي أكثر من سبعة أعوام على البرنامج، إلاّ أن المعاناة والتساؤلات لازالت قائمة، فهناك من بدأ في البحث عن من يسافر معها لأجل ذلك الشرط، كما أن بعض الفتيات بدأن في تقديم عروض مغرية تكفل موافقة أحد أشقائها أو أقاربها بالسفر، وعلى طريقة «محفول مكفول»، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في شرط المحرم. «الرياض» تطرح الموضوع وتناقشه من جميع الجوانب، فكان هذا التحقيق. رفض السفر في البداية قالت «سارة محمد» -خريجة جامعة الملك فيصل بالأحساء- أتمنى إكمال تعليمي في إحدى الدول لأنال شهادة «الماجستير» و»الدكتوراه» في تقنية المعلومات، ولكن عدم قبول والدي مرافقتي كمحرم جعلني أبقى في المنزل، مضيفةً أن والدها رجل متقاعد وليس لديه عمل حالياً، وأشقاءها جميعهم صغار، مشيرةً إلى أنها طلبت من والدها مرافقتها ولو لأشهر بسيطة ثم يعود، كما تفعل الكثيرات، إلاّ أنه رفض تماماً، علماً أن هذا الأمر حلم حياتها، مؤكدةً على أنه أحبطها بقوله: «اذا فتحتي موضوع البعثة والسفر لا انتي بنتي ولا أعرفك!!». واستطاعت الطالبة «نورة خالد» أن تذهب بعد جهد جهيد من الإقناع والتكتم على الأمر، قائلةً: قدمت على الابتعاث بعلم أهلي في المنزل، أما أخواني الرجال المتزوجون فلا يعلموا عن تقديمي للبعثة أي شيء، مضيفةً أنها اتفقت مع ابن شقيقتها ليكون هو المحرم المرافق لها، وبالفعل تمكنت من السفر، لافتةً إلى أنه في نفس يوم المغادرة أبلغ والدها أشقاءها بسفرها، وما كان منهم إلاّ أن تقبلوا الأمر؛ لأنه حل عليهم كالمفاجأة، ذاكرةً أنها الآن في اجازة بعد غياب دام (9) شهور، وستعود بعدها لتكمل مشوارها في نيل «الماجستير» بإذن الله. 20 ألف ريال ووصل الأمر في موضوع المحرم المرافق إلى دفع مبالغ مقابل هذه الخدمة، وهذا ما حصل مع الفتاة "ريم السعيد" وشقيقها "حسن"، قائلةً: عانيت المر والصعاب، إلاّ أن أخي الصغير وافق على الذهاب معي لمواصلة تعليمي، مبينةً أنها اضطرت إلى تدين مبلغ (20) ألف ريال حسب طلبه ليتكرم بالذهاب معي، مشيرةً إلى أنه أصبح مصدر قلق، حيث أصبحت مسؤولة عن نفسها وعنه خارج البلاد، إلاّ أنني قبلت بذلك. وكذلك الأمر مع "وجدان عبدالحميد" التي ذللت الصعاب لأخيها لكي يسافر معها، مضيفةً: "حاولت أن أجد محرما يرافقني، لدرجة أنني أسعى الآن للزواج فقط لأضمن محرما مرافقا معي للبعثة، علماً أنني سعيت بكل الطرق وعاهدت أخي أن أعطيه نصف مكافأتي الشهرية، وأنه سيذهب معي مكفولا محفولا، وأنا من سأشتري له جميع لوازم السفر، لكنه عناداً لي وغيرة مني لم يقبل"!. ضوابط وشروط وقالت المعلمة "مريم الخالدي" ان المرأة في المملكة وصلت إلى مرحلة كبيرة من الوعي والثقافة التي تمكنها من إدارة شؤونها بنفسها، مؤكدةً على أن المحرم الذي يذهب مع المبتعثة، لابد أن يوضع به ضوابط وشروط تؤهله قبل إرساله في هذه المهمة، فليس الكل من شبابنا يستطيع أن يكون محل ما أوكل إليه. وأبدى بعض المحارم من الرجال استعدادهم للسفر ومنهم الشاب "ياسر عبدالرحمن" -خريج ثانوية عامة- قائلاً: سأقنع والدي بالسفر مع شقيقتي لإكمال دراستها، حيث سأستفيد على الأقل من تعلم اللغة، بدلاً من جلوسي هنا عاطلا بلا عمل أو وظيفة تشغل وقتي. وقال "خالد محمد": إن وظيفته وأعماله أهم من دراسة زوجته بالخارج، لاسيما وأن الرجل في نهاية المطاف هو الملزم بالإنفاق وبتحمل مسؤولية المنزل أكثر من الزوجه، لذا رفض مرافقة زوجته لمواصلة تعليمها، وفي الوقت ذاته رفض سفرها مع إحدى محارمها. شرط المحرم وقف عائقاً في إكمال دراسة بعض الطالبات وأوضح "علي القرني" -والد إحدى الفتيات- أن عدم موافقته ليس سببه الكيد بابنته أو عدم رغبته بمواصلة تعليمها، إنما هو الخوف عليها، مضيفاً أنه لا يرى سفر الفتيات بقصد الدراسة خارجياً مناسباً، خاصةً إذا لم يلازمها المحرم المرافق بشكل دائم؛ لأن الفتاة مهما بلغت من قوة لا تستطيع على الغربة وعلى مصائبها. خطوات كبيرة وأكدت "آمال الفايز" -مديرة إدارة الدراسات العليا بكلية الآداب في الدمام- على أن التعليم عصب كل تنمية، وسر كل تقدم، وأي بلد واع يسعى للتنمية من خلال دعم وتطوير التعليم، مضيفةً أن بلادنا حققت خطوات كبيرة في التنمية والتطوير، خاصةً مشروع خادم الحرمين الشريفين للتطوير والابتعاث، والذي يمثل قفزة غير مسبوقة؛ لأن الابتعاث له انعكاسات كبيرة على البلد والمجتمع، بل ويشكل عملا كبيرا وحضاريا، وله ايجابيات عظيمة من الناحية العلمية والاقتصادية. وأوضحت "د.ناهد الموسى" -أستاذ مساعد في الادارة التعليمية بجامعة الملك فيصل- أن وعي الأسرة زاد تجاه موضوع الابتعاث، مضيفةً أن هناك أثراً للابتعاث حتى على الاقتصاد الوطني، فهناك علاقة وثيقة بين التعليم والاستثمار، مبينةً أن الاستثمار في الانسان هو الاستثمار الحقيقي، وأن هناك ارتباطا وثيقا بين التربية والتعليم والاقتصاد والتربية في بناء المجتمع، لافتةً إلى أن العائد الاقتصادي في التعليم هي الأبحاث العلمية وتنمية المواهب، ذاكرةً أن الابتعاث له آثار عظيمة ليس فقط على الصعيد الفردي، إنما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فعلى الصعيد الاجتماعي سيرجع الطالب أو الطالبة بشخصية عصامية، وسيكتسب الاعتماد على النفس، مستشهدةً بتقارير اليونيسكو حول الايجابية التي يحققها التعليم من زيادة الدخل القومي بالدولة. تطوير المواطن وقالت "د.ليلى باطوق" -وكيلة عمادة الدراسات العليا بشؤون الابتعاث والتدريب بجامعة الدمام-: إن من ضمن أهداف برنامج الابتعاث تطوير المواطن واستثماره بالتعليم، مضيفةً أن الطالب أو الطالبة سيعودان ليس بالشهادة العالية، إنما بالتأكيد استفادوا من دراستهم وبقائهم في الخارج، مشددةً على أهمية الإفادة من التجارب التي خاضتها الدول التي كانت دولا بسيطة جداًّ كاليابان وغيرها، وكيف أصبح حالها اليوم، مشيرةً إلى أن الفكرة الأولى كانت الاستثمار في التعليم؛ للنهوض بهذا البلد، فكانت فكرة ابتعاثهم لدول متقدمة، مبينةً أن برنامج خادم الحرمين كان كذلك أساساً لاستثمار المواطن، ذاكرةً أن الوظائف الحالية قد لا تتناسب مع العائدين من الخارج، ولكن الشركات الكبرى هي التي تستقطبهم؛ لأنهم سيكونون أشخاصاً متمرسين بالعمل، موضحةً أنه من الصعب إزالة شرط المحرم؛ لأنه من واقع شرعي ومن واقع ديني؛ ولأن أكثر المبتعثات أغلبهن خريجات ثانوية عامة ويبتعثن لإكمال "البكالوريوس"، مؤكدةً على أن مسألة توفر المحرم مشكلة قائمة على مستوى برنامج خادم الحرمين الشريفين، لذا فإن الحل يكمن في التقنين، مع إيجاد آليات معينة له، مقترحةً لمن لا يتوفر لديها محرم أن تكون في سكن داخلي خاص بالجامعات، وهذا متوفر في بعضها. خطة مشتركة وشددت "د.ملكة الطيار" -المساعدة للشؤون التعليمية بإدارة التربية والتعليم للبنات في المنطقة الشرقية- على أهمية معالجة البطالة؛ لأن هناك دفعات قادمة سواء من الخريجين داخل الدولة أو العائدين المبتعثين، مقترحةً إيجاد خطة مشتركة بين الوزارات ذات الشأن مثل وزارة التعليم العالي ووزارة العمل والمؤسسات، لضمان تحقيق أكبر نسبة من التوظيف. وطالبت "نجاة بوحليقة" بوضع خطط مدروسة قبل إرسال المبتعثين والمبتعثات للخارج، حتى لا يكون لدينا عاطلون قادمون، مضيفةً أنه لابد من وجود دراسات بين ما يحتاجه سوق العمل وبين تخصصات المبتعثين، بل وحتى المؤسسات الخاصة لابد أن تتعاون مع المؤسسات الحكومية لتوفير وظائف لهم.