فوجئت بها تبكي بصمت، حاولت التحديق في عينيها، لم أجد سوى دموع تنطلق كالمطر من عينين أدمنت الأسى الصامت، والقهر المزدوج. سألتها: اجابت ان ابنتها قد طلب منها مغادرة المدرسة الأهلية التي تعمل فيها منذ ثلاث سنوات حتى يتسنى للمدرسة استكمال السعودة. قلت لها انك سعودية اباً عن جد، حتى وان كان زوجك غير سعودي رغم انه امضى في هذه البلاد ما لا يقل عن اربعين عاماً فكيف تم استبعادها وهي الطالبة المتفوقة، والمتخرجة بامتياز من كليتها، وايضاً الموظفة الممتازة. لم تجب، ولكنني توقفت عند مشكلتها الصعبة، والمريرة، من خلال هذا التمايز في منح الجنسية للشاب الذي له ام سعودية، والامتناع عن منحها للفتاة التي امها سعودية، رغم ان هذه المرأة لها ولد منح الجنسية رغم انه اصغر من اخته التي تعمل. اليست هذه تفرقة بين الأخ والاخت، حتى وان شرع هذا القانون من منطلق ان الفتاة من الممكن ان تتزوج غير سعودي من جنسية والدها. والسؤال كيف لأسر الام فيها سعودية ولدت وتربت وعملت في هذه البلاد، وأبناؤها أيضاً لا يعرفون غير هذه البلاد، والزوج لم يغادر هذه البلاد منذ سنوات طويلة تتجاوز الثلاثين عاماً ومع ذلك لا يمكنه الحصول على الجنسية، لعدم تطابق الشروط التي طرحت اخيراً لمنح الجنسية عليه، حيث انه لا يملك مؤهلاً، او مهنة معينة، لكنه يدين بالولاء لهذه البلاد. وقد تكون مهنته البسيطة مهمة، وتاريخه نظيفاً سلوكياً واخلاقياً، ومع ذلك لن يجمع نقاط الحصول على الجنسية. ورغم ان كثيراً من الآباء غير السعوديين المتزوجين من سعوديات قد تناسوا مسألة الحصول على الجنسية السعودية من منطلق صعوبتها، إلا أن حلم الحصول عليها للأبناء والبنات بالتحديد ظل قائماً، وحفزه بشدة القرار الأخير في تحقيق امنية عز الوصول اليها. فالبنت لا تختلف عن الشاب، بل قد تكون متفوقة دراسياً كابنة هذه المرأة حيث ان المدارس الآن، والكليات، والجامعات تعامل ابنة السعودية كمعاملة السعوديين في القبول بالمدارس والجامعات، فإنه من هذا المنطلق، ينبغي ان ينظر في مسألة قبولهن بالمدارس الاهلية كموظفات، وكحالات استثنائية، حيث ان المدارس لو طبقت ذلك وعاملتهن كمعاملة السعوديات فلا مسؤولية عليها ان كان هناك لابد من السعودة. ولا تفسير او تبرير لعدم قبولهن كموظفات. ومن خلال معرفتي لبعض الفتيات اللاتي لم يغادرن هذه البلاد من آباء غير سعوديين، وأمهات سعوديات أجد أن المشكلة متفاقمة لديهن من خلال عمق المأساة اللاتي يعشنها، حيث الشعور بالانتقاص، والألم، وأحياناً العدوانية اتجاه الآخر، وكل ذلك محصلة لما تتعرض له هؤلاء في المدارس احياناً من تصنيف سعودية، وغير سعودية، بل والبعض يقول الطالبات الأجنبيات، والبحث عن إقامتها، التي تفضل أحياناً إخفاءها والتمرد عليها في سن مبكرة، لشعورها بالألم، رغم أن والدتها قد تكون تعمل في نفس المكان موظفة مرموقة، لكن اختلاف مسار الاقناع للابنة يدفعها إلى الشعور المستمر بالدونية، والبحث في الداخل قبل الخارج عن لحظة تعديل طارئة وربما بعيدة للخروج من ازمة ما تعانيه من عدم تجنيسها بالجنسية السعودية التي يفترض ان تتبع والدتها فيها، خصوصاً ان كانت متفوقة، ولا تنتظر زوجاً سعودياً يأتيها ليجنسها معه. ولذلك يلجأ البعض احياناً إلى قبول زيجات متواضعة، رغم تفوق الابنة وجمالها وأدبها، من اجل الحصول على الجنسية، وقد تنتهي بالطلاق احياناً، وقد يكون الزوج سيئاً، ومساوماً وبعيداً عن الإنسانية، فلا يمنحها الجنسية نكاية فيها وتطلّق قبل الحصول عليها، كفتاة أعرفها أوشكت على الطلاق من ام مدرسة وهي طالبة بالجامعة والزوج سعودي نزق تزوجها قبل عامين ثم طردها دون أن يضيفها في هويته، وتعمد إخبارها بأنها كما دخلت عليه، خرجت من عنده أجنبية، رغم أن لها ابنة منه. فمتى ينظر في امر هؤلاء البنات، وهل هناك منافذ جديدة في قانون التجنيس الجديد للفتيات اللاتي من امهات سعوديات؟