في ذاكرتنا كصحفيين مآزق وملاحظات ليست بالقليلة، ولا بالسهلة، وهو أمر طبيعي في مهمات عمل متعدّدة التغيرات ومتعددة اختلاف الظروف، ومَنْ ينجح هو مَنْ يستطيع أن يفهم ويعي المسببات ليس لدينا فقط، ولكن في جميع مواقع المهنة عالمياً.. كان الزميل - رحمه الله - عبدالعزيز العمران رجلاً بارع النكتة ودقيق الملاحظات وجريء المداخلات.. أذكر قبل ثلاثين عاماً تقريباً أن كنا في رحلة لبنانية، وذلك قبل أزمات لبنان المخيفة.. جمعتنا شقة سكن متواضعة أنا وهو وزميل ثالث؛ وبينه وبين ذلك الزميل كثير من المصادمات اللفظية، وكان هو الأكثر توظيفاً للنكات المرحلة ضد ذلك الزميل.. بعد ظهر يوم جميل.. كنا في مقاعد الصالة المستطيلة أشبه ما نكون في سُرر نومنا.. صامتين ومتجهين إلى الارتياح.. فجأة اخترق عبدالعزيز ذلك الصمت بتوجهه إلىالزميل قائلاً: تعرف يا (...) لم تكن محظوظاً وإلا لتوفرت لك شهرة لا يصل إليها أي مواطن سعودي لو وُلدت في أوروبا.. سأله: لماذا؟ أجاب: أنت موهوب ميزة غير متوفرة لدى مواطن آخر.. سأله وهو يجده يمتدحه ربما للمرة الأولى قائلاً: لماذا وكيف؟!.. أجاب عبدالعزيز: ألست تذكر نظرية داروين التي ترى أن الإنسان والقرد من أصل واحد.. وما علاقتي بالأمر؟.. قال: كذّب علماء فيما بعد هذه الرؤية، مؤكدين أن تلاحق الأجيال عبر آلاف السنين لم يوجد فيه شبه متطور التغيير بين شكل الإنسان والقرد.. أنت في سمارك وملامح وجهك تؤكد هذه الحقيقة.. لو وُلدت عندهم لقضيت حياتك في رعاية علمية خاصة، وبعد موتك تكون في إطار ذهبي يبرهن تلك الحقيقة.. طبعاً ثار عليه ورفض منطقه.. تُرى ماذا لو كانت فئة من الزعماء العرب ولدت في أوروبا، كيف كانت ستقضي حياتها؟.. هل كانت ستصل إلى زعامة مئة شخص وليس ملايين مجتمع..؟ ماذا لو ولد معمر القذافي في لندن أو باريس أو نيويورك؟.. بالتأكيد سوف يصنف في قائمة المجنون الخالع وسيردع قبل وصوله سن العشرين.. ثم ألم يصنّف صدام حسين ضمن قائمة الإجرام..؟ هو الذي قتل مختلفاً معه في سن السابعة عشرة، وبعد ذلك هرب إلى مصر لأنه حاول إطلاق النار على عبدالكريم قاسم، وعاد ليغزو الكويت وليس إسرائيل.. وصدام حسين الذي حرّك الشارع العراقي بأناشيد.. كريم كريم للأمام.. ديموقراطية وسلام.. أو: هذا اليوم اللي كنا نريده.. والخاين قصينا ايده.. ولم يكن يحدث في تلك الأيام من قبل رئيس يسكن في غرفته داخل وزارة الدفاع إلى نشر ممارسته السحل.. وهو تميّز قتل يتم بسحب المعارض بحبل في رقبته حتى يموت.. اخرج من العراق وليبيا وتأمل في دول عربية جمهورية عديدة؛ ماذا كانت الديموقراطية والحرية التي نشرت قبل ستين عاماً في كل وسائل الإعلام لترويج تميّزات زعماء معينين أهدروا كفاءات الاقتصاد وكفاءات التوظيف وتوفير لقمة العيش.. إلى أين انتهى السودان الذي كان قبل ستين عاماً أفضل مجتمع تتوفّر فيه حريات مجتمع طمستها حرية الرؤساء؟.. كيف تمكّن اليمن من الاحتفاظ بالتوزع القبلي متواصلاً مع واقعه قبل ألف عام؟..