على الذين ينادون بالأفكار الإصلاحية ألا يصابوا باليأس عندما يرفض المجتمع هذه الأفكار.. فالإصلاح لا يتم بين يوم وليلة ولابد أن يتعود المجتمع على الأفكار الجديدة التي لم يألفها من قبل، وعندما نقرأ تاريخ الحركات الإصلاحية نجد أنها دائماً تقابل بالرفض والاستهجان في بداية الأمر، ثم تتقبلها فئة صغيرة من المجتع.. ولا يلبث تأثيرها أن ينتشر شيئا فشيئا إلى أن تصبح مقبولة من غالبية أفراد المجتمع. الأفكار الجديدة غالبا ما تصدم الناس لأنهم جُبلوا على مقاومة التغير.. فالتغير يربك نمطية الحياة التي تعود عليها الناس وهو يجبرهم على التفكير وإعمال الفكر وعلى التأقلم مع هذا الجديد الذي لم يألفوه.. وتلك مسألة غير مريحة.. ولهذا فهم يلجأون إلى ما يسمونه «القيم الاجتماعية السائدة» لكي يحاربوا الجديد.. بل قد يتم اقحام «الدين» لمحاربة الجديد حتى أن الفواصل تتداخل في كثير من الأحيان بين «العادات» و«الدين»! وكثيراً ما تأتي «العادات» قبل «الدين».. ففي مجتمع متدين كالمجتمع السعودي نجد في بعض الأحيان أن الناس ينحازون إلى «العادات» على حساب «الدين».. ومن أبرز الأمثلة على ذلك التصنيفات القبلية والاجتماعية التي تضع بعض فئات المجتمع في خانة دنيا من السلم الاجتماعي فلا يتم الزواج منهم رغم أنهم قد يكونون من أفضل الناس أخلاقاً وصلاحاً وتديناً.. وفي تجربتنا السعودية تبرز الكثير من الشواهد التي تدل على صعوبة الإصلاح في أول الأمر.. فالمجتمع السعودي حقق قفزات، بل طفرات، في مسيرته التي تعتبر قصيرة بمقاييس الزمن رغم أن الجديد كان في الغالب يحارب بشدة ويوظف في محاربته الدين والقيم الاجتماعية.. وهذا ما سجلته تجربة المجتمع - على سبيل المثال - في تعليم المرأة الذي كان عند طرحه بمثابة صدمة للبعض!! واليوم لا يوجد من يجادل في أهمية تعليم المرأة.. وحتى الذين حاربوه بالأمس يحرصون الآن على تعليم بناتهم وعلى إيجاد فرص العمل لهن. وقد لا تتصور الأجيال الجديدة من السعوديين أن هناك من حرَّم السيارة ومن حرَّم التلفون والدراجة الهوائية وغيرها عندما دخلت إلى البلاد لأول مرة! وما حدث في السعودية حدث في غيرها من البلدان ولكن في فترات تاريخية من حياتها، ومن يريد أن يعرف كيف رفضت المجتمعات عبر تاريخها مستجدات الحضارة والعلم فليقرأ الكتاب الرائع ل «ويل ديورانت» قصة الحضارة الذي روى فيه مسيرة الحضارة البشرية منذ فجر التاريخ. إن التغير هو سنة الحياة.. لكن مقاومة التغير هي، ايضا، سنة أخرى من سنن الحياة.. فهل في هذا عزاء لل «مستعجلين»؟!