مرة أخرى - أعتقد أنها المرة الثالثة - أعود للمطالبة بتحديد سرعة السيارات التي تسير على طرقات المملكة من المصنع. من المعروف أنه يوجد في المملكة كما يوجد في جميع دول العالم التي لديها طرق حديثة حدود قصوى لسرعة السيارات لا يمكن تجاوزها قانونا. وعلى حد علمي أن الحد الأقصى للسرعة في المملكة هو 120 كيلومترا في الساعة على الطرق السريعة. معظم - بل جميع - دول العالم، وبعضها دول مساحتها أضعاف مساحة المملكة كالولايات المتحدةالأمريكية - مثلا - فإن أقصى سرعة يفرضها القانون الأمريكي على الطرق السريعة لا تتجاوز 110 كيلومترات (70 ميلا) في الساعة. ولذا نادرا ماتحدث حوادث في الطرق السريعة رغم أن أرتال السيارات بجميع الأحجام ( بعضها بحجم القاطرات ) تجوب طرقها السريعة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب (أكثر من 4000 كيلومتر) ومن أقصى الشمال إلى اقصى الجنوب ( أكثر من 3000 كيلو متر) ليلا ونهارا صيفا وشتاء حيث يتساقط الجليد ويشتد التعرض لانزلاق السيارات. السؤال اللغز هو: لماذا لا تحدث الحوادث لديهم مثلما تحدث لدينا حوادث السيارات؟ الجواب واضح لأن رجال المرور لديهم استطاعوا أن يفرضوا على السائقين السرعة القصوى التي يفرضها القانون. بينما رجال المرور لدينا ( ربما لهم عذرهم ونحن نلومهم ) لم يستطيعوا أن يفرضوا على السائقين لدينا الحد الأقصى للسرعة التي يفرضها عليهم القانون. والحل بسيط ورخيص ولا يكلّف شيئا البتة ولكن يبدو أننا لا نحب الحلول البسيطة ولا الرخيصة ولا التي لا تكلف شيئا. لماذا لا نحدد السرعة مصنعيا من المصنع فنطلب من مستوردي السيارات أن لا يستوردوا السيارات إلا بعد التزامهم بوضع حد أقصى مصنعيا للسرعة لا يتجاوز الحد الذي يرى الخبراء المختصون لدينا في المرور انه هو الحد الملائم لطرق المملكة. أوّل مرة كتبت عن الموضوع كانت قبل ما يقارب أربع عشرة سنة في عكاظ. ثم كرّرت الكتابة في الرياض الاقتصادي. ولكن الفكرة لم ترق لرجال المرور لتطبيقها، ولم ترق لأعضاء مجلس الشورى لنقاشها، ولم ترق لجمهرة الكتاب للكتابة عنها الى درجة انني نسيتها، ولكن مؤخّرا ذكّرني بها تعليق أحد القراء النابهين على مقال للأستاذ عثمان الخويطر في الاقتصادية العدد 6635 بعنوان: الحوادث المروعة. يقول المعلق أبو عبدالله: " لماذا نستورد سيارات سرعتها عالية ... ريحوا وارتاحوا ... عدلوا مواصفات السيارات أقصى سرعة 120 كيلومترا". ساهر يقال وفقا لتصريحات المرور انه خفّض عدد الحوادث وهذا قد يكون صحيحا وقد لا يكون صحيحا لأن أخبار الحوادث القاتلة ما زالت تتردد في الصحف كما كانت تتردد قبل ساهر بل العكس ظهر لساهر ضحايا من نوع مبتكر جديد (صناعة سعودية حصرية) لا توجد في العالم وهي صناعة التعدي وتحطيم كاميرات وسيارات ساهر. اضافة الى خلق مجرمين لا يوجد مثلهم في العالم متخصصون في الاعتداء على ساهر. الواقع ان الاعتراض على ساهر ليس قاصرا على عشاق السرعة والمفحطين من الشباب بل تعدى ذلك إلى كثير من العقلاء والمحترمين. والمشكلة أن العداء آخذ في الازدياد لساهر لأنه اصبح في كل بيت بند جديد في ميزانيتها كفاتورة الكهرباء وفاتورة الماء وفاتورة التلفون وفاتورة ساهر. أنا لست من المعارضين لساهر ولكنني من المشككين في قدرات ساهر، فساهر عاجز عن التواجد في الأماكن التي تشتد فيها السرعة وتحدث فيها الحوادث القاتلة وهي الأماكن المعزولة والمهجورة على طول الطرق الطويلة بين المدن وخارج المدن، وبدلا من التوسع اللانهائي (رغم ضآلة الجدوى) في تطبيق ساهر وبالتالي ازدياد العداوة ومشاكل ساهر خففوا العبء عن تحميل ساهر ما لا طاقة له بتحمله وتخصيصه للأماكن المأهولة داخل المدن واتركوا الخلا والأماكن النائية للمصنع. موضوع زاوية السبت القادم - إن شاء الله - سيكون بعنوان: اقتصاديات الكسرة والفنون الينبعاوية.