فرضت الطبيعة الصحراوية وما يكتنفها من متغيرات قاسية في أوقات الجدب وصعوبة التنقل والعيش بها نوعا من السلوك الجاف وتلك متطلبات طبيعة المكان وظروفه وبغير تلك الطبيعة والتكيف مع المتغيرات وظروف البيئة لن يستطيع مواصلة العيش. وكون الصحراء كانت مسرحاً لمعارك شرسة على موارد المياه والمراعي وغيرها فقد تولد عن ذلك إنسان الصحراء الصلب الذي فرضت عليه طبيعة المكان وظروفه أن يكون بعيداً عن استخدام المفردة اللينة أو جمل العطف والرقة في خطابه للجانب الآخر وكان يعدها نوعاً من الضعف. وفي الوقت الذي تكون فيه المرأة في الصحراء في حاجة إلى تلك المفردات الرقيقة من الزوج كان الرجل يستعيب ذلك ويعده إنقاصاً من الهيبة لذا هربت تلك الكلمات العاطفية إلى مكان بعيد عن الصحراء سوى في لحظات قليلة تستدعي التكيف والمعالجة لظرف قاسٍ بكلمة رقيقة تخرج بصعوبة وكأنها نوع من التنازل عن الكبرياء المحمود ولم تجد هذه المفردات الرقيقة التي تعبر عن الوجدانيات مجالاً للتعبير عن بعض مكنونات جميلة إلا في أبيات شعر الغزل وقصص والعشق، وكانت بمثابة بلسم الجروح ومتنفس روح المرأة العاطفية وقد وجدت كما وجد الرجل فرصة لإرسال تلك المشاعر المكبوتة برمال الصحراء الجافة إلى من يحب ولو أن المعني بالقصيدة غير من يرددها ورغم هذا المخرج العاطفي إلا أن البعض فسر ذلك بأنه كشف للخوافي التى يمنع على الجنس الناعم سماعها . ومع مرور الوقت أصبح الشعر الغزلي وسيلة الاتصال ومرسول العشق. وقد اتصف هذا الشعر بالعفة والوصف للحالة من دون التجسيد كمرحلة أولى تلا ذلك وصف الجماليات كنوع من المدح وتعزير الموقف للطرف المقابل وقد أخذ شعر الوجد والفراق دورا كون الفراق وطبيعة الصحراء تفرضه بشكل مستمر يقول الشاعر محمد بن طوير القرشي : فمان الله ياحب شريته واشترى ماباع فمان الله ماسارت على كيفك ولاكيفي فمان الله ياحب تسلطن من ورى الاضلاع فمان الله ما بنسى ولاتنسي معاريفي بذلت الجهد من شانه لكنه في لحظة ضاع وضاعت من الحيلة وتبقى لي تحاسيفي وقد سبق مرحلة التجسيد مرحلة استعطاف للبحث عن كوامن العواطف المكبوته واستدرارها من خلال وصف الحالة الماساوية : ياهلي حطوا على قبري ضلالي حتى لامروا الأجاويد ياطونه كذلك تم خلال تلك الفترة استغلال لحظات الفراق التى لها قدرة على فتق المكامن العاطفية في لحظات الفراق : كل ماجيت أنا وحبيبي أنتلايم شد الشديد ونوهوا بالتفاريق وقد أحدث هذا الجفاء نحو الكلمة العاطفية فراغا في المفردات التى تعبر عن العواطف مما اضطر البعض لاستخدام الكلمات الوافدة بعد أن زالت تلك القسوة والشح العاطفي نحو المرأة.