خيّمت أجواء ثورات الربيع العربي على أشغال المؤتمر السابع لوزراء الثقافة للدول الإسلامية الذي نظمته هيئة الأيسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة) بالعاصمة الجزائر يومي 18 و 19 ديسمبر. ولفت وزير الثقافة المغربي بنسالم حميش أنظار المشاركين الى واقع حال العالم العربي على ضوء ما أفرزته الثورات الأخيرة . «الرياض» التقت على هامش المؤتمر، وزير الثقافة المغربي بنسالم حميش ، صاحب رواية «مجنون الحكم»، و لامست معه بحس الشاعر والروائي والمثقف والسياسي لحظات التغيير الحاسمة التي يشهدها الآن العالم العربي و قراءة الرجل لهذه اللحظات التاريخية وعلاقاتها بالآخر الغربي. وفيما يلي نص اللقاء: - تشاركون بالجزائر في المؤتمر السابع لوزراء الثقافة للدول الإسلامية وينعقد المؤتمر في الحقيقة في ظرف سياسي أبرز ما يلفت النظر فيه حالة التأرجح الحاصلة اليوم في العلاقات بين العالم العربي والغرب على مستوى المسائل ذات الصلة بالهوية والانتماء غالبا ما تفرز صدامات. و لعل أهم ما شهده مؤتمر الجزائر اقتراح (الأيسيسكو) وثيقة مشروع مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ل "التقارب بين أتباع الديانات والثقافات" التي تم اعتماد آليات تنفيذها وقعا على المستوى الإعلامي والثقافي. والسؤال الذي نطرحه هو هل مثل هذه المبادرات بإمكانها إحداث التغيير في نظرة الغرب إلينا نحن العرب، و هل هي " صالحة " في مثل هذا السياق الدولي المتميز بالصدام بين العرب و الغرب؟. أعتقد أن المبادرة في حد ذاتها لا يمكن إلا تثمينها و تزكيتها من حيث طبيعتها كونها تأتي في ظروف صعبة يمرّ بها العالم العربي "بينياً" وكذلك في علاقاته مع الغرب أو ما أسميه أنا القوى النافذة أو المتنفذة في العالم على رأسها أمريكا وأوروبا. هي مبادرة تدخل في إطار المساعي الحميدة وتُضاف إلى أخرى سابقة وستليها أخرى لكن لا يجب ترديد مصطلح الصدام بالشكل الذي تحدث عنه الأمريكي صامويل هنتجتون منذ أزيد من عشرين سنة. فأطروحات هذا الأخير تم تجاوزها. فكل صدام له مآل ينتهي إليه إمّا عبر عقد مصالحة لما فيه خير الأطراف جميعها أو يتضاءل مع مرور الوقت وتبدّل الأحوال والظروف. - كيف يمكن له أن يتضاءل والغرب عبر تصريحات مسؤوليه ومفكريه ما يزال يستفز مشاعر العرب و المسلمين، الرسومات الكاريكاتورية مثلا أو التصريحات الأخيرة ل " نيوت غينغريتش" أبرز المرشحين للرئاسة الأمريكية بشأن فلسطين والشعب الفلسطيني أو التنامي اللافت لظاهرة الإسلاموفوبيا ؟. يمكن لهذا الصدام أن يتضاءل عندما نكشف نحن العرب عن نوايانا الحسنة، بأننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، خلافاً لما يمكن أن تكون عليه أطراف أخرى مثلما هو الحال بالنسبة لإسرائيل التي لا تعيش إلا بالحرب و تأجيج هذه الحرب. لقد رأينا كيف تبجح الساسة في إسرائيل عندما تم الاعتراف بفلسطين كبلد كامل العضوية في اليونسكو و كيف أنها راحت تشير أن ذلك من شأنه عرقلة مفاوضات السلام !! - ليست إسرائيل وحدها ، إدارة باراك أوباما أيضا عارضت الانضمام وراحت توقف مساعداتها المالية لليونسكو ! وهو سلوك من شأنه تكريس الكراهية تجاه أمريكا وتعميق الإحساس بالظلم لدى العرب. الإدارة الأمريكية وعلى رأسها أوباما مغلوب على أمرها، لأن ثمة لوبيات قوية وضاغطة ومتحيزة تحيزاً سافراً لإسرائيل. وأوباما انصاع لهذه اللوبيات وهو ما لا ينسجم مع سياسته، وأعتقد أنه في قرارة نفسه يعرف أنه "مكره أخاك لا بطل" مثلما يقول المثل العربي الشهير. أنا لا أقول أن الصدام غير موجود تماماً كأطروحة، هنتنجتون نفسه قال إنه يأتي وقت عليها وتتقادم، لكن على ضوء ما يحدث وأقصد الربيع العربي والثورات فإن الصدام سيتضاءل، لأن هذه الثورات غيّرت كل الأوراق أو غيّرت الكثير من الأوراق. الآن هناك شعوب تثور من أجل كرامتها وتطيح بمستبدين وهو معطى لم يكن في حسبان الدارسين أو الاستراتيجيين في الغرب. كانت الدول الغربية تتعامل مع الأنظمة العربية و تغض الطرف على طابعها الديكتاتوري إذا ما لبّت الأخيرة مصالحها. وأعتقد أن الأنظمة العربية الجديدة التي ستظهر ستأخذ بعين الاعتبار مطالب الشعب أولا وقبل كل شيء ولذلك فإن العلاقات مع إسرائيل ستتغير مثلاً ليس الآن ولكن بالتدريج. ثم أن الشعوب العربية أصبحت فاعلاً رئيسيا الآن في الساحة، وأعتقد أن كل حسابات الغرب (أمريكا وأوروبا) سيعاد النظر فيها وهو ما يجعلنا نتفاءل أننا سنعرف، مع احتمال بروز مخاضات ومصاعب، أفقاً سياسياً مغايراً، رغم تشكيك البعض في مآلات هذه الثورات وقول بعضهم إن الربيع صار خريفا، وهو كلام غير صحيح من جهة ولا يستند إلى وعي تاريخي من جهة أخرى. حيث إذا رجعنا إلى الثورة الفرنسية (1789) نجد أنها أفرزت مثلا ماكسميليان روبيسبيير سفاح الثورة الفرنسية ونظامه الإٍرهابي، وأفرزت الحروب النابولونية والحروب الاستعمارية ولم تعط الثورة الفرنسية ثمارها إلا بعد قرنين من الزمن. وأنا أعتقد أن من يقول بفشل الديمقراطية الآن في الدول العربية هو يريد لها أن تؤول إلى الفشل. «الربيع العربي» سيغّير العلاقات مع إسرائيل تدريجياً - ظل التيار الإسلامي "البعبع" الذي يخيف الغرب، ولعبت بعض الأنظمة العربية دورا في مضاعفة هاجس الخوف منه لدى الغرب. وهو التيار الذي تعرض أتباعه وأنصاره للإقصاء والمضايقات والسجن والنفي. والحاصل اليوم أن نفس هذا الغرب يتعاطى بنوع من الليونة والقبول بهذا التيار بعد النتائج التي حققها في الاستحقاقات التي شهدتها كل من تونس ومصر والمغرب ووصوله إلى الحكم في ليبيا. أنا لا أريد مثل هذه التصنيفات، هي تزعجني. لا أريد الحديث عن حزب إسلامي وآخر غير إسلامي. كلنا مسلمون. - لا، أنا أتحدث عن واقع سياسي أفرزته استحقاقات ما بعد ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر وعندكم في المملكة المغربية ؟ صحيح أن هذه الأحزاب والتنظيمات عانت الأمرّين سجناً ونفياً وتعذيباً، وأنه من الضروري أن تكون طرفاً مهمّاً في المعادلة. فقط أرى أن ما يجب أن يحكم كل الأطراف هو المرجعية الديمقراطية، سواء كانت الأحزاب ذات مرجعية إسلامية أو أخرى. وإذا ساندها الشعب وأعطيت لها كل حظوظها من أجل ممارسة السلطة، وأتت هذه الممارسة بالخير ولو بدرجات متفاوتة، فمن سيرفضها ؟ عند الامتحان يعّز الحزب أو يهان. - بمعنى أنكم مع إعطاء الإسلاميين الفرصة لممارسة السلطة ؟ بالطبع نعم، و لماذا حرمان هؤلاء من الحكم !! إن حرمانهم سيقّويهم أكثر ممّا هم أقوياء الآن ، لكن شريطة أن يقبل هؤلاء بقواعد التداول على السلطة وهو الأساس. في أوروبا تشارك الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الحكم بشكل طبيعي، ولا أحد يخاف منها، فهي موجودة في ألمانيا وإيطاليا مثلاً، وبالتالي فأنا أقول إنه يجب التطبيع مع الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية واعتبارها أحزاب ككل الأحزاب الأخرى دون وصمها بالتطرف أو المغالاة. - مقابل هذه الأحزاب التي تدعو إلى التطبيع معها، وهي الأحزاب المتهمة بتبني خطاب شعبوي، يقال إنه وراء افتكاكها غالبية أصوات المنتخبين، نجد النخبة سواء تلك التي انخرطت في الأحزاب أو لم تنخرط بخطابها "التنويري والعقلاني" لم تنجح في إقناع أو إغراء المواطن العربي بمشروعها ولم تفلح في ملامسة تطلعاته. يجب أن نقارن ما يقبل المقارنة. المثقفون في الوطن العربي لا حول لهم ولا قوة في مجال التدبير والتسيير وأخذ القرارات. المثقفون لهم دور آخر. أما علاقة هؤلاء بالثورات العربية فاختلفت أدوراهم. بعضهم نأى بنفسه عن الحديث مثال الشاعر السوري أحمد سعيد (أدونيس) وموقفه غير المعلن من الثورة في سوريا. إنه مثقف يعيش في باريس، وأرى أنه ليس فاعلاً الآن، ربما هو في موقف حيرة، ينتظر ما سوف تسفر عنه الأوضاع في بلاده. أنا لا أحمّله مسؤولية ولست أأثمه. إنه موقفه وسوف يتضّح أكثر عندما يقرر أدونيس كتابة مقالات يكشف فيها عن مواقفه الحقيقة من الثورة في سوريا. وهناك مثقفون شاركوا في الثورة مثل علاء الأسواني في مصر وبرهان غليون في سوريا وهو الجامعي والباحث السوسيولوجي، رغم أنني أنظر إليه الآن على أنه رجل سياسة أكثر منه رجل ثقافة. - هل تعتقدون أن الخريطة السياسية الجديدة التي أفرزتها ثورات الربيع العربي بمنطقة المغرب العربي، أي مشاركة الإسلاميين في الحكم، بإمكانها إعادة تشكيل العلاقات بين دول الجوار بالأخص بين الدول التي تشهد علاقاتها البينية تأزماً مثل العلاقات الجزائرية المغربية ؟ التسمية ما تزال تزعجني !! هل معنى ذلك أن الذين لم يصلوا الحكم عبر الصناديق في المنطقة هم غير إسلاميين أو غير مسلمين ؟ - لا أنا أطرح السؤال انطلاقاً مما هو قائم اليوم في منطقة المغرب العربي على ضوء ما أفرزته استحقاقات ما بعد ثورات الربيع العربي، وقدرة هذا الواقع السياسي الجديد في التأثير على واقع العلاقات بين دول الجوار !؟ أنا أسّمي القط قطا ، والأرنب أرنبا، و إذا كنت تقصدين حزب العدالة والتنمية المغربي لزعيمه عبد الإله ابن كيران فهو حزب له مرجعية وتشاركه في هذه المرجعية عدة أحزاب أخرى، أو تقصدين أحزابا بنفس هذه المرجعية في تونس ومصر وحتى تركيا، فأقول إن الإسلام هو إرثنا المشترك، وبناءً عليه أعتبر أن الأحداث التي تشهدها منطقة المغرب العربي ستجعل كل الفاعلين السياسيين وليس "العدالة والتنمية" فقط، ميّالين إلى حلحلة المشاكل البينية على رأسها مشكلة الصحراء. وهو مشكل نأسف له. لكن هذا لا يمنع من أن تظل بين الجزائر والمغرب علاقات تجارية واقتصادية وثقافية قد تتيح على المدى القريب إنفراجاً أراه ضرورياً ومفيداً للطرفين. والحقيقة أنني من الداعمين لهذا التوّجه وأقول إن كل المشاكل المستعصية ستجد لها حلاً لها مع الوقت. ونحن نراهن في المغرب على أن نتقدم حثيثاً على مستوى الانجازات والمكتسبات الاقتصادية وهي الورقة الرابحة الآن.