مما لاشك فيه أن العالم العربي عاش فترة عصيبة من حياته أربت على أكثر من سبعة قرون وذلك منذ فجر فقدان العرب لاستقلالهم وبقائهم في ظل الحكم العثماني لأكثر من ستة قرون وبعد سقوط الدولة العثمانية استولت دول الغرب على تركتها حيث تم تقسيم العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية وفق اتفاقية سايكس - بيكو حيث استولت بريطانيا بموجبها على العراق والأردن وفلسطين ومصر والسودان بالاضافة إلى الخليج بينما استولت فرنسا على سورية ولبنان وقبل ذلك بكثير على الجزائر ومن ثم تونس والمغرب بينما إيطاليا حكمت ليبيا لمدة زمنية طويلة حيث عمل الاستعمار على امتصاص ثروات المنطقة وعمل على استمرار الجهل والتخلف. وبعد الحرب العالمية الثانية هبت رياح الاستقلال، إما من خلال إرادة شعبية أحياناً أو على شكل انقلابات عسكرية متفق عليها احياناً أخرى. على الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع أن تثبت للعالم ان الإسلام المعتدل هو السائد، وأن التطرف هو الاستثناء، وأنه لا خوف من حكم الإسلاميين بعكس ما يروج له الغرب واتباعه في العالم العربي ومما لاشك فيه ايضاً ان الانقلابات العسكرية وما يمثله مجلس قيادة الثورة والبيان رقم واحد وما تلاه قد ظهرت وكأنها تمثل استجابة للمد القومي العربي الذي شهده العالم العربي في ذلك الوقت؛ حيث رفع العسكر شعارات قومية عديدة مثل شعارات الاستقلال والحرية والوحدة وتكافؤ الفرص والعدل والمساواة. هذا وقد تم خلال تلك الفترة إنشاء أحزاب واتحادات أحادية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي في كل من سورية والعراق، والاتحاد الاشتراكي في مصر حيث دخل مصطلح الاشتراكية الذي قضى على القطاع الخاص من خلال التأميم. وفي كل الحالات تمت إساءة استخدام الشعارات من قبل الأنظمة الانقلابية حتى انه من كثرة اساءة استخدامها كرهها الشعب العربي ما كرس الفرقة بسبب التناحر وعدم الاتفاق على أبسط أنواع التعاون بسبب قاعدة فرّق تسد التي اتبعت من قبل الدوائر الاستعمارية. وظل الأمر يراوح مكانه وانتهت فترة الانقلابات بالحكومات الشمولية التي ولدت الضغط المسؤول على الأقل ظاهرياً عن انفجار الشارع العربي فيما سمي الربيع العربي خلال عام (2011) والذي أطاح بعدد من الأنظمة في كل من تونس ومصر وليبيا والأمر غير محسوم حتى الآن في كل من اليمن وسورية. هذا وقد افرز الربيع العربي حتى الآن ترجيح كفة الإسلاميين. نعم لقد أدت الانتخابات في كل من مصر وتونس والمغرب إلى فوز الإسلاميين بالأغلبية البرلمانية ما أهلهم إلى تشكيل الحكومات في تلك الدول. والحقيقة أن الوقت مازال مبكراً في استيضاح فيما كان بإمكان الإسلاميين الوفاء بتعهداتهم بالالتزام بالديمقراطية بجميع أبعادها بحيث يتم الالتزام بالشعارات المطروحة والمحافظة على سمعة الإسلام وثوابته ومرونته التي تعني التعددية والحريات الفردية والجماعية وقبول الاختلاف في الرأي ومبدأ تداول السلطة من خلال الاحتكام إلى القانون الذي لا يتعارض مع الشرع، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع بصورة نزيهة فالخوف كل الخوف ان يتم اساءة استخدام الشعارات الإسلامية بنفس الطريقة التي أُسيء فيها إلى الشعارات القومية وذلك لكي تفرغ من محتواها وبالتالي تكره الأحزاب التي ترفعها وذلك من خلال إساءة استخدام السلطة والاهتمام بالأمور الشكلية على حساب الجوهرية. إن أهم مميزات الحضارة الإسلامية إبان ازدهارها هو القبول بالتعددية وحماية الأقليات، إن إساءة استخدام السلطة سوف يؤدي إلى الاستقطاب وهذا سوف يؤدي إلى الاختلاف غير المحمود الذي يحظى بدعم كثير من القوى التي تأتي إسرائيل في مقدمتها وكذلك من يقف خلفها من القوى.. نعم لقد أٌجهض فوز جبهة الانقاذ الإسلامية في الجزائر في الانتخابات ما أدى إلى حمل السلاح والدخول في دوامة عنف كثر الداعمون لها والعاملون على استمرارها. فهل يتم إجهاض وصول الإسلاميين للسلطة في كل من تونس ومصر؟ والحقيقة ان ذلك سوف يكون مرتبطا بأدائهم واحترافيتهم وفهمهم لمتطلبات جميع الأطراف في الداخل والخارج وتحقيق التوازن من خلال الامساك بشعرة معاوية. وربما يكون العمل على إسقاطهم قيد التخطيط على أية حال. إن انحراف الثورات عن مسارها أو اختطافها خلال الثورة أو بعدها قد حدث بصورة متكررة عبر التاريخ، وقد كانت النتيجة كارثية في أغلب الأحوال. قد يستخدم الدين وسيلة للاستقواء وفرض الرأي من قبل بعض الأفراد والجماعات وهذا أهون من استخدامه من قبل الأحزاب للوصول إلى الحكم لنفس الهدف والغاية. نعم إن وصول الجماعات الإسلامية إلى الحكم في كل من تونس ومصر والمغرب يحتم بروز دورها في رسم السياسة المستقبلية لتلك الدول. وهذا بالطبع يحتم على المجتمع الدولي بما في ذلك دول المغرب والجوار التي حاربت ذلك التوجه لعقود طويلة أن يتواءم وبشكل استراتيجي مع فكرة الحكومات الإسلامية وهذا كله مرهون بأن تحقق تلك الحكومات الناشئة ما يلي: * أن تتمكن الحكومات الإسلامية الوليدة من استخدام شعرة معاوية على مستوى الداخل والخارج على غرار ما يقوم به حزب العدالة والتنمية التركي بقيادة طيب أردوغان وهو نمط إسلامي مقبول على مضض من قبل الغرب. * إن وصول الإسلاميين المعتدلين إلى سدة الحكم يحد من تنامي وكثرة المنظمات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة والسلفيات الجهادية والمنظمات التكفيرية وغيرهم. * ربما يكون العمل على تحييد العالم الإسلامي والعربي قد بدأ بسبب بروز التنين الصيني ذي القدرة النووية والعسكرية والتقنية والصناعية والفضائية ناهيك عن قدرته على غزو الأسواق بمنتجاته وأثر ذلك علىالأزمة الاقتصادية الحادة في الدول الغربية. وهذا بالطبع يهدد الأمن القومي للدول الغربية خصوصاً أمريكا التي استمرأت التفوق وأحادية القطب الذي تمثله. ولذلك فإن الصين أصبحت العدو رقم واحد والاتحاد السوفياتي رقم اثنين، والإسلام والمسلمون رقم ثلاثة. * إن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الحكومات الإسلامية القادمة يكمن في مقدرتها على التعامل مع الوضع الاقتصادي المتدهور الذي يمثل النجاح فيه كسب رضا الناس إذا اتبِع بشفافية وصدق توجه مع بقية التيارات التي يمكن ضمان ولائها من خلال تشكيل حكومة تشترك فيها كل القوى والأحزاب الفاعلة هناك وذلك على غرار ما تم في تونس إذا صمدت التجربة. * على الإسلاميين الذين فازوا بالانتخابات وتمكنوا من تشكيل الحكومة أن يعملوا على إرساء دعائم الاستقرار حتى لا يعرقلوا الاستثمار، ولا السياحة التي يعتمد عليها الاقتصاد في كل من مصر وتونس والمغرب والتي يشكل دخلها ما يصل إلى (20٪) من اجمالي الدخل القومي لكل منها. * من المؤمل أن لا يُحدث فوز الأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية مزيداً من الاستقطاب السني الشيعي في المنطقة من خلال وصول متطرفين من السنّة في تلك الدول في مقابل التطرف القائم في طهران ما يؤسس لصراع بين الطرفين يُخرج إسرائيل من المعادلة ويضعف الإسلام من خلال تناحر واقتتال طوائفه كما يخطَّط ويبرمج له منذ وقت طويل بدءاً بالحرب العراقية - الإيرانية ودعمت بغزو العراق وخلق صراع طائفي فيه بالاضافة إلى ما يحدث في سورية ولبنان ناهيك عن تدخلات إيران ودعمها عدم الاستقرار في الخليج والعراق وغيرهما من المواقع. فهل يعي عقلاء المسلمين سنّة وشيعة هذا الملعوب وأبعاده؟ * إن الاستقطاب في المنطقة يفتعل نتيجة لما تفتقت عنه أذهان جهابذة الاحتكار والاستغلال والاستعمار من أفكار جديدة تفتح لهم فرصاً استثمارية مجدية تتمثل في اتباع سياسة «دمّر ثم عمّر» وهذه القاعدة تبنى على خلق حروب بينية مثل منطقة الخليج التي خاضت حتى الآن ثلاث حروب متتالية خلال الثلاثة عقود الأخيرة.. إن مثل تلك الحروب تؤدي إلى استفادة القوى الباغية مرتين، المرة الأولى تستفيد من تصدير السلاح إلى الدول المتصارعة بجميع أنواعه، والمرة الثانية أن شركات تلك الدول سوف تقوم بالفوز بعقود إعادة الإعمار بعد أن تضع الحرب أوزارها. * على الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع أن تثبت للعالم ان الإسلام المعتدل هو السائد، وأن التطرف هو الاستثناء، وأنه لا خوف من حكم الإسلاميين بعكس ما يروج له الغرب واتباعه في العالم العربي وهذا يتم من خلال محاربة التطرف أياً كان مصدره ومد جسور الاعتدال والتسامح والالتزام بالوسطية. * إن قاصمة الظهر التي أحاقت بالعالم العربي طوال العقود الماضية هي تدخل بعضهم بشؤون البعض الآخر، ما ولد الكراهية والتوجس وعدم الثقة.. ولذلك فإن الإسلاميين مندوبون إلى إدراك ذلك المنزلق حتى لا يقعوا فيه لأن أهم عناصر نجاحهم هو قوله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) ..الآية. * إن الإسلام اليوم مستهدَف من قبل الدوائر الصهيونية فهل يستطيع الإسلاميون ممارسة السياسة والعلاقات الدولية بصورة احترافية تحيّد ذلك الهجوم المبرمج الذي سوف يجد في الممارسات الخاطئة للإسلاميين ضالته ووقود عجلته الإعلامية التي لا تتوقف عن بث الشائعات والأراجيف؟ ستبدي لك الايام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالاخبار من لم تزوّدِ ويأتيك بالاخبار من لم تبع له بتاتاً ولم تضرب له وقت موعدِ والله المستعان..