لم تستقبل الولاياتالمتحدة بالترحاب خبر تعيين دومينيك دوفيلبان الثلاثاء رئيسا للوزراء في فرنسا لما بات يرمز اليه بعد دفاعه الملفت في الاممالمتحدة عن الموقف المعارض للتدخل الاميركي في العراق، لكنها تؤكد عزمهاعلى العمل معه ومواصلة تحسين العلاقات مع باريس. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر في هذا الخصوص «نود العمل مع رئيس الوزراء (الفرنسي) وحكومته بعد تشكيلها». لكن باوتشر المح ايضا الى ان الولاياتالمتحدة لا تنسى الفترة التي قاد فيها دو فيلبان عندما كان وزيرا للخارجية معركة للتصدي للمخططات الاميركية لشن الحرب على نظام صدام حسين. وقال المتحدث الاميركي «نعلم جميعا انه عندما كان وزيرا للخارجية اجرينا معه محادثات من كل نوع ونحن نعرفه منذ ذلك الوقت». وقال مسؤول كبير في الخارجية طالبا عدم كشف هويته بلهجة ساخرة «نحن نحبه الى درجة اننا حرصنا على تهنئته حتى قبل ان يشكل حكومته» مترجما بذلك المرارة التي مازال يثيرها في الغالب رئيس الحكومة الفرنسية الجديد في واشنطن. وكانت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس اعتمدت لهجة تصالحية بقولها الاسبوع الماضي ان نتيجة الاستفتاء في فرنسا حول الدستور الاوروبي، ايا تكن، ينبغي ان لاتؤثر على العلاقات بين واشنطن وباريس. وقالت لوكالة فرانس برس حينذاك «يبدو لي ان علاقاتنا مع فرنسا ستبقى كما هي ولا بد لي من القول انها جيدة حقا في هذا الوقت»، لافتة الى التعاون الممتاز في الملفات المتعلقة بلبنان وسوريا. وتميز دو فيلبان خصوصا في اذار/ مارس 2003 في خضم الازمة العراقية عندما القى في الاممالمتحدة خطابا بات شهيرا دافع فيه بحماسة كبيرة عن خيارات فرنسا وجاك شيراك المعارضة بحزم للحرب الاميركية على العراق. وفي ذلك الخطاب دافع دو فيلبان عن موقفه بلهجة مؤثرة باسم قيم «اوروبا القديمة» واحترام القانون الدولي. وكان خطابه موضع ترحيب من قبل الجميع الذين صفقوا له بقوة وهو امر نادر داخل مجلس الامن، في تباين صارخ مع الجدل حول الحجج والذرائع التي قدمها وزير الخارجية الاميركي انذاك كولن باول لشن الحرب. وكان دو فيلبان الذي كان مكلفا في السابق شؤون الصحافة والاعلام في السفارةالفرنسية بواشنطن، تسلم وزارة الخارجية مقدما نفسه على انه صديق لاميركا وملم بشؤونها. ومن المفارقة ان دوفيلبان بات يجسد في نظر العديد من الاميركيين فرنسا متهمة بالسعي الى اعادة بناء عظمتها على حساب صعوبات الولاياتالمتحدة، وداعية الى عالم «متعددالاقطاب» وهو موضوع تعتبره واشنطن هرطقة معادية لاميركا. وراى روبن نيبليت الاخصائي في شؤون اوروبا في مركز الدراسات الاستراتيجيةوالدولية «ان الجراح والذكريات التي خلفها الجدل حول العراق لم تنس في واشنطن،وان قررت الادارة برغماتيا عدم اطالة تبادل الاتهامات والنزاعات الدنيئة». وفي هذا الاطار لا يتوقع هذا الخبير ان يطرح تعيين دو فيلبان على رأس الدبلوماسية الفرنسية مشكلات بحد ذاتها، لكن لن يساعد ذلك في الوقت نفسه البلدين على طي الصفحة. غير ان اخصائيين اخرين في السياسة الخارجية اعتبروا من جهتهم ان هذا التعيين سيكون له وقع محدود على العلاقات بين جانبي الاطلسي، اذ من المتوقع ان يكرس دوفيليبان جهوده في الدرجة الاولى على المسائل الداخلية والاوروبية بعد الصدمة التي اثارها رفض الفرنسيين لمعاهدة الدستور الاوروبي. ولفتت الاخصائية جوديث كيبر من مجلس العلاقات الخارجية الى ان «على رئيس الوزراء في فرنسا ان يهتم بسعر الدجاج اكثر من المواضيع الباهرة المتعلقة بالسياسة الدولية». (الصحف الفرنسية: شيراك يجازف) من ناحية اخرى اعربت الصحف الفرنسية امس الاربعاء عن شكوكها اثر تعيين دوفيلبان رئيسا للوزراء مشددة على «رهان المجازفة» الذي اقدم عليه الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما عين في نفس الحكومة احد اوفى مساعديه الى جانب اكبرخصومه في اليمين نيكولا ساركوزي. وعنونت صحيفة «لو باريزيان» الشعبية على اولى صفحاتها «متفجر!» على صورة يظهرفيها كل من دوفيلبان وساركوزي وهما ينظران لوجهة معاكسة وتحدثت عن «ثنائي لم يخطرعلى بال احد، حدد له شيراك اولوية بذل كل شيء من اجل الانتصار في معركة التشغيل». من جهتها رات صحيفة «لو فيغارو» اليمينية «ان تشكيل الثنائي دوفيلبان وساركوزي رهان مجازفة جديدة بالنسبة لشيراك حتى وان كان ذلك يضمن في مرحلة اولى لرئيس الحكومة شيئا من السلم مع الحزب» الحاكم الاتحاد من اجل حركة شعبية الذي يقوده ساركوزي. وابرزت «ليبراسيون» اليسارية ان «شيراك اختار فرض التعايش على اكبر عدوين في الاغلبية» الحاكمة متحدثة عن «لعبة مثيرة للشفقة اخترعها شيراك للرد على الصفعة التي تلقاها الاحد» اثر النجاح الواسع الذي حققه معارضو الدستور الاوروبي في الاستفتاء. ودانت «ليبراسيون» في لهجة قاسية «اخر لعبة في السلسلة الطويلة من عمليات التضليل التي يقوم بها شيراك» والتي اخر ما تبين منها «يدل على ان رئيس الدولة اصبح لا يسيطر على شيء».