في كل مرة تباغت فيها إدارة المدرسة طالباتها بعملية «تفتيش» مفاجئ للصفوف، تتوقع «هند العمري» - مرشدة طلابية - بأن يقل عدد علب مساحيق التجميل في قائمة الممنوعات التي يتم الحصول عليها في حوزة الطالبات، كون الجولات التفتيشية تقام بصفة دورية مستمرة، إلاّ أن ذلك لم يمنع الطالبات من إحضار المساحيق التجميلية دون أن تتضاءل نسبة إحضارها، بل إنها في ازدياد. وتروي «العمري» عن طالباتها بأنهن لا يضعن المساحيق لإخفاء «قبح» أو «عيب خلقي»، ولكن هوس المكياج الذي اكتسبته الفتيات من ثقافة المجتمع وتعامل الكثيرين الخاطئ مع مساحيق التجميل، حيث يعتمد كثير من النساء في تعاملهن مع المكياج على المبالغة وتعدد الألوان، وقد تتغيّر ملامح الوجه تغيراً تاماً ما يؤدي إلى نتائج عكسية ويترك انطباعاً سيئاً في النفس، بالإضافة إلى أن هذه المبالغة قد يجعلها محل سخرية واستهجان ممن حولها. منظر اعتيادي لقد أصبح منظر الصغيرات اللاتي يضعن مساحيق التجميل ويصبغن خصلات شعرهن منظراً عادياً وربما مقبولًا لدى البعض، خصوصاً لدى الأهل الذين لا يجدون حرجاً في أن تفقد تلك الزهرة الصغيرة جمال براءتها عندما تصبغ بألوان صناعية، فلا هم يعدون هذا الجمال المصطنع انتهاكاً لمفهوم الجمال الطبيعي، ولا تكريساً لقيمة المظهر على حساب العقل لدى فتيات مازلن يتفتحن على الحياة بكل قيمها ومفاهيمها. وتذكر «سعاد» -مصففة شعر في إحدى صالونات التجميل- أن الأمهات أصبحن يحضرن بناتهن الصغيرات بأنفسهن لصالون التجميل إما لصبغ الشعر أو قصه وتصفيفه أو لوضع المكياج الصاخب الذي يفقدهن وجوههن الحقيقية البريئة، دون مراعاة لأعمارهن أو الضرر الذي سيلحق بهن، حتى أن بعض الأمهات يترددن ببناتهن على الصالون ثلاث مرات في الشهر لقص الشعر وتصفيفه، وبعضهن يحرصن على إعادة صبغ جذوره من جديد كلما طال شعر البنت قليلاً. أضرار طبية إن لأدوات الماكياج ومستحضرات التجميل أساليب في التعامل معها قد تخفى على الكثير؛ إذ غالباً ما تهوى «حواء» استخدام مساحيق التجميل بطريقة شبه يومية، وتلجأ المراهقات لاستخدامه كنوع من التدليل والعناية والشعور بالتميز، وبرغم تحذيرات أطباء الجلدية من استخدام هذه المستحضرات بطريقة عشوائية لما لها من أضرار عديدة بالبشرة على المدى الطويل، فقد لا تعلم حواء أن استخدام المكياج وأدواته قد يكّون مكاناً ملائماً جداً لنمو البكتريا، وبعيداً التحذيرات الطبية ومشاكله على البشرة، فإن من أهم أساليب التعامل مع مستحضرات التجميل هو عدم التكلف في استخدامها أو المبالغة في الزينة؛ فالغرض الحقيقي من وجود المساحيق هو لإظهار الجمال، وليس للتجميل بذاته وتغيير ملامح الوجه!. سخرية واستنكار ويرى الرجل في هذا الجانب أن المرأة التي تبالغ في استخدام المكياج والمساحيق هي في الحقيقة من وضعت نفسها محل سخرية واستنكار في مجتمع لا يرحم ولا يفوت فرصة الاستهزاء وترويج النكت والطرائف حول مظهرها المثير للسخرية، هذا بخلاف المواقف الاجتماعية حين تبالغ الفتاة في وضع الماكياج أثناء الرؤية الشرعية؛ فإن ذلك يفضي إلى العديد من المشاكل مستقبلاً، كما يقول كثير من الشباب أن مثل هذا التصرف يعد غشاً للخاطب وأهله. وكان لرأي الشباب في مسألة «المبالغة» النصيب الأكبر في النكات والتندر على الفتيات في جميع وسائل التقنية حتى أصبحت من أكثر طرائف الموسم ظرافة، فلم يكتفوا بتشبيههن ب»المهرج» و»دهان الجدران» و»قوس قزح»، بل وصل الأمر إلى مقارنتهن على نحوٍ مضحك بنساء الغرب ونجمات السينما اللاتي اكتفين بجمالهن الطبيعي المفعم بالأنوثة والجاذبية، فمستحضرات التجميل كما يصفها الرجال كالملح في الطعام كلما زاد عن الحد المعقول أفسد الجمال كله، وعموماً يفضل الرجال المكياج غير المتكلف، الذي يضفي رونقاً وحيوية، ويبرز تفاصيل الملامح في أساسها على الوجه دون تغيير في الشكل أو التلوين المفرط، فهم يفضلون إبراز المحاسن الطبيعية التي أوجدها الله بها، ووضع الزينة لغرض التجمل، وليس لاستعادة الثقة بالنفس وتجنب الشعور بالنقص، أو قهر الخجل، أو التشبه بجمال الأخريات. كسر الروتين وقد أثبتت الدراسات النفسية أن المبالغة في استخدام الماكياج هو نوع من أنواع التجديد والتغيير لكسر حدة الرتابة والروتين، وأن هذه الطريقة ما هي إلا تنفيس عن التوتر النفسي الدفين لدى هؤلاء النساء، وقد يكون كتعويض عن الإحساس بالكآبة والضيق، أو الظهور بمظهر جمالي تبحث الشخصية من خلاله عن فرص للتحايل بمظاهر مقنّعة، أو لإخفاء حالة نفسية معينة، أو للتأثر بالآخرين والظهور بمظهر آخر يخفي الواقع، وهذه الشخصية غالباً ماتكون شخصية ناقصة تبحث عن طرق لجذب الانتباه إليها، والاعتماد على الآخرين في استعادة ثقتها بنفسها لأن المبالغة في وضع المكياج هو في الحقيقة نوع من أنواع التعويض النفسي.