في زمن بائس وتعيس مضى ، ومرحلة تاريخية طغت فيها الشعارات البلهاء ، والوعود الكاذبة ، وقصائد الشعر التي عشنا على موسيقاها الوهم ، وشربنا الأكاذيب ، كنا نعيش الأزمات القاتلة ، ونعايش الخزي والعار من أنظمة متخاذلة ، فاسدة ، جاهلة وصلت إلى هرم القيادة السياسية في بعض الوطن العربي بانقلابات عسكرية مجنونة ، وجهل فاضح في المعرفة ، والوعي ، وكان من نتائج هذه الانقلابات ووصول العسكر إلى مراكز القرار ، حكم الحزب الواحد النافذ والمتنفّذ ، والمهيمن على رقاب العباد ، وثروات البلاد ، والمناضل " !! " في سبيل تحويل الكائن البشري إلى قطيع يساق إلى أقداره ومصائره ، وتجريده من كل أدوات المعرفة ، ومسارات العقل ، وجعله لاهثاً وراء لقمة العيش التي بالكاد يجدها فتاتاً من بقايا موائد النافذين ، وقادة الإجرام في أجهزة المخابرات ، والنفعيين ، والانتهازيين ، واللصوص من حارقي البخور على أعتاب قصور النظام ، أو زائراً دائماً ، وربما مقيماً في المصحات العقلية والنفسية ، حتى وصلنا في ذلك الزمن المقيت والعاهر إلى حالة أن تحول البشر في الفضاء العربي إلى قطيع يسمّن ، وربما " يعلّف " ليقدم للذبح على أيدي الصهاينة كما في صبرا وشاتيلا ، وكما في مجازر أخرى أُبيد فيها الأطفال قبل الرجال والنساء ، وقُدموا قرابين على مذابح أنظمة العسكر التي رفعت الشعارات واكتفت بالرقص والاحتفالات بالنصر بعد كل مجزرة ، وعقب كل هزيمة مؤلمة ، ومأساة نحملها أوجاعاً ، وانهيارات ، وجروحاً نازفة " لأن العدو أصيب بهزيمة عدم قدرته واستطاعته على إسقاط النظام ، وما زلنا نذكر ونحن نبكي بتفتت وانهيار بعد هزيمة حزيران عام 1967 حين كان تعليق راديو سورية المستمر بأن " المهم بقاء النظام الوطني في سورية " ، وكأن ضياع الجغرافيا ، وقتل الكرامة ، لايعنيان شيئاً ، ولكن المهم هو بقاء النظام " لأن النظام هو الوطن ، والإنسان ، والإرث الحضاري ، والفكري ، والإنساني ، والنظام يختصر ويختزل كل هذا وأكثر من هذا ، وأليست سورية الآن بحضارتها ، وشموخها ، وتاريخها الضارب في عمق الجذر العربي اختُزلت لتكون " سورية الأسد " !! . كانت الدماء العربية تسيل أنهراً بفعل الآلة العسكرية الصهيونية ، والعربي يعيش التيه ، والضياع ، والتشرد لأن أنظمته تركته لأقداره القاسية ، ومصائره الصعبة ، وانصرفت لبناء أجهزة القمع ، وتشييد السجون ، وإقامة شبكات من الجواسيس والمخابرات التي تطارد المواطن ، وليس في ثقافتها حماية الأمن الوطني ، والجبهة الداخلية ، وكان المواطن العربي يقبل المواجهة لأنها مع عدو مغتصب ، وكيان سرطاني ، حتى أفاق هذا الإنسان يوماً فوجد أنه يذبح ، ويُسال دمه بالآلة العسكرية التي بناها من لقمة عيشه ، وكفاحه ، ودفع ثمنها من تخلف واقعه الحياتي ، والتعليمي ، والاقتصادي ، والإنتاجي ، ومن انهيارات مسيرته في الحياة على كل الصعد والمضامين. الآن ، وهذا مفجع ، وباعث للجنون ، حيث يتجلى عجز الجامعة العربية عن اتخاذ خطوة تؤمن سلامة الشعب السوري من القتل ، وتحصّن أطفاله من السلخ ، والذبح على يد النظام ، بل تعطي المهل لزيادة عدد الضحايا ، واستمرار البطش فالمهم " بقاء النظام "! يا أمتي ، ماذا لديك ، تكلمي ، ما أنت أُمّه ..!؟