النصوص التي يطلقها الرئيس الأمريكي نحو المكيروفونات في ختام لقائه مع ضيف أجنبي، ليس لها بالضرورة صلة بما قيل في اللقاء. وعلى الرغم من ذلك، فمن المشوق مقارنة أقوال بوش قبل ستة أسابيع، في المؤتمر الصحفي المشترك مع ارييل شارون في المزرعة في تكساس، بالتصريحات التي أطلقها أمس في ختام اللقاء مع أبو مازن. في تكساس قال إنه توجد مسيرة اتفقنا عليها، وفي هذه المسيرة يدور الحديث عن حظر توسيع الاستيطان. وإسرائيل تعهدت في خريطة الطريق بعدم توسيع الاستيطان. سأواصل العمل على ذلك مع الإسرائيليين. وأمس ماذا قال؟ إسرائيل ملزمة بنزع المواقع الاستيطانية غير المسموح بها وعدم توسيع الاستيطان. وكعلاوة، ذكر بنوداً أخرى من خريطة الطريق، كالحاجة إلى إعادة قوات الجيش الإسرائيلي إلى خطوط سبتمبر 2000، الحفاظ على تواصل إقليمي في الضفة وعلى الاتصال بين غزة والضفة. وفي الموضوع الأمني أيضاً بقيت الكلمات أمس هي ذات الكلمات ووحدها الموسيقى ناسبت أُذني الضيف. في سبتمبر قال بوش« إن أبو مازن» اتخذ عدة خطوات في المجال الأمني، ولكن على السلطة أن تعمل أكثر ضد الإرهاب. ولم يوافق في حينه على موقف شارون في أن خريطة الطريق يتعين عليها أن تنتظر حتى يقوم أبو مازن بالقضاء على البنى التحتية للإرهاب الاسم السري للمواجهة العنيفة بين السلطة وحماس. أما أمس فقال بوش إن «أبو مازن» هو رجل سلام، يبدي تصميماً حيال الإرهاب. وأضاف بأن إلحاق الهزيمة بالإرهاب وحده سيؤدي إلى دولة فلسطينية، ولكنه دعا إلى إلحاق الهزيمة بحماس في صناديق الاقتراع بوسائل ديمقراطية وليس نزع سلاحها بوسائل العنف. ولو لم تكن الخلافات بشأن المستوطنات وحماس قائمة، لكان يتعين على بوش أن يخترعها كي يتمكن من أن يري أصدقاءه العرب وشركاءه الأوروبيين بأنه لا ينفذ بالحرف أقوال شارون. الخلافات توفر مساحة حيوية سخية جداً للرئيس، الذي يكتفي بعمل لا يخرج عن إدارة النزاع. حسب المؤتمر الصحفي، في لقائه مع أبو مازن - مثلما في الحديث مع شارون - غاب مكان الجدول الزمني، وسائل التحقق وأساليب الفرض. هذه الثلاثة هي أدوات مركزية في تسوية النزاعات، أدوات بدونها يكون الهذر والموسيقى هما بمثابة النبرة الخلفية في عيادة طبيب الأسنان. أبو مازن لم يحصل على جدول زمني بحل المواقع الاستيطانية ولم يسمع كلمة أو شبه كلمة عن نية بوش جباية ثمن ما من شارون على توسيع الاستيطان. ولم يخرج من عند الرئيس مع تصريح متواز، ناهيك عن وثيقة تعويض عن الرسالة التي أعطاها لشارون في أبريل الماضي. هذه المرة أيضاً خاب أمل الفلسطينيين في أن يسمعوا على لسان الرئيس الكلمتين الأساسيتين تبادل أراض كمواساة لاعترافه بوجود تجمعات سكانية إسرائيلية في الضفة. وبالأساس، أبو مازن لا يمكنه أن يعرض على ناخبيه تعهداً أمريكياً في أنه بعد الانتخابات الديمقراطية، الإصلاح في أجهزة الأمن، نزع سلاح المسلحين، وفك ارتباط هادئ سيخرج بوش مخالب الدولة العظمى كي يجر شارون إلى التسوية الدائمة. أمس لم يتخذ أي تلميح في أن الرئيس يعتزم أن يفرض على شارون التفسير الأمريكي لبنى الإرهاب التحتية والإعلان عن المرحلة التالية، مرحلة الدولة في حدود مؤقتة. كما أنه لا يوجد أيضاً مؤشر على أن بوش استجاب لطلب أبو مازن بالقفز عن هذه المرحلة لإدارة مفاوضات على إنهاء الاحتلال في الضفة، تقسيم القدس وحل مشكلة اللاجئين، من كل هذه النواحي، كانت الزيارة وكأنها لم تكن.