كنت تحدثت في مقال سابق تساءلت فيه حول تاريخ دخول الأسلحة وخصوصاً البنادق منها إلى منطقة الجزيرة العربية وتحديداً منطقة نجد. حيث كانت نتائج استعمال تلكم الآلة هو ظهور تحولات مهمة: أمنية واجتماعية وبلدانية مختلفة ترتب عليها عندئذ لقارئ التاريخ إعادة قراءته من زاوية أخرى للنظر إلى الجانب الامني وكيفية انعكاس وجود هذه الآلة وأثرها على النواحي الاجتماعية والسكانية. وتتميماً لبعض الفائدة أطرح هنا مجموعة من المصادر مقرونة بما دونه وكتبه بعض المؤرخين النجديين حول دخول هذا السلاح وهي بحد ذاتها أقل من القليل. آملاً طرح المزيد من ذلك مما يجود به الباحثون لنشره هنا. لنتتبع بعض ما ذكره المؤرخون عن ذلك في نقاط موجزة: * أشار الشيخ عبدالله البسام (ت 1346ه ) إلى أن أول استعمال الانقليز للمدافع كان في عام 739ه بينما كان أول اختراع لكرات المدافع عام 790ه. (البسام ، تحفة ، ص 24). وذكر في حوادث عام 969ه اغارة حرب على بلد التويم فقال ما نصه: «وحصل بينهم مناوشة رمي بالبنادق من بعيد..» (البسام ، تحفة المشتاق ، ص 82) وغيرهما من الإشارات. * ذكر المؤرخ حمد بن لعبون (ت بعد1257ه) الإشارة إلى الخلاف الحادث حول سكنى بني وائل وبني تميم بلدة أشيقر من نجد ونشر تلكم الورقات في مجلة العرب الراحل العلامة الشيخ حمد الجاسر ولها نسخ متعددة فقد أورد المؤرخ ابن لعبون ذلك في حوادث عام 800ه وأشار إلى البندقية في تلكم الفترة التاريخية بقوله: (وأخذنا سلاحنا وجعلنا في البروج بواردية، يحفظون البلد ببنادقهم فإذا رجع بنو وائل منعناهم من الدخول) . * إن تواجد البرتغاليين في الخليج العربي وما صاحبه من معارك وحروب من خلال الحملات البحرية التي كانت تحت قيادة الفونسو دي البوكيرك في عام 913ه/1507م. ودارت حول الخليج مع إمارات متعددة كآل مغامس في البصرة وإمارة هرمز ودولة الجبور والأخيرة خاضت صراعاً عنيفاً مع البرتغاليين. ومعلوم أن البرتغاليين استعانوا بمدافع ومعدات حربية فضلاً عن البنادق بأشكالها المختلفة. وكان قائد دولة الجبور السلطان السلفي مقرن بن زامل الجبري العقيلي قد استشهد في وقعته مع البرتغاليين وبدعم من الهرمزيين دفاعاً الأحساء بعد إصابته بطلق ناري في فخذه ثم عجزه عن متابعة القتال فتوفي في:16/شعبان/927ه والمقصود بما أشير سابقاً هو اصابتة بطلق ناري. * بعد قيام الدولة العثمانية ثم ضمها الجهة الغربية من الجزيرة العربية - الحجاز - عام 922ه-923ه وتبعة دخولهم للأحساء بعد صراعهم مع البرتغاليين. عام 957ه/1550م. ولا شك أن في دخول هذه الأقاليم المحيطة بمنطقة نجد قد انعكست آثارة الاقتصادية والتجارية بطريق مباشر أو غير مباشرعلى وصول الآلة الفتاكة “البنادق“ اليها. وبفتح الدولة العثمانية للقسطنطينية عام 857ه/1453م برزت كقوة دولية يشار لها حيث تعددت الأسلحة الثقيلة والخفيفة في هذه الدولة وهذا مما جعل بعض الإمارات الاحسائية كإمارة آل عريعر فيما بعد التابعة للعثمانيين تستعين ببعض من تلكم الأسلحة والمدافع قبيل مطلع القرن الثالث عشر الهجري بقليل. * أشارت مصادر محلية معتمدة كتاريخي ابن غنام وابن بشر إلى البنادق والرمي. ذكر المؤرخ عثمان بن بشر رحمه الله في حوادث عام 1139ه قصة غدر محمد بن حمد بن معمر الملقب خرفاش صاحب العيينة بالأمير زيد بن مرخان بن إبراهيم بن موسى. فبعد مقتل زيد في قصر ابن معمر ورميهم بالبنادق فقد كان معه الإمام محمد بن سعود الذي تنبه فتحصن في موضع بالقصر قال ابن بشر (فأدخلهم قصره ثم أدخل رجالاً من قومه في مكان وواعدهم إذا جلس زيد يرمونه بالبنادق فرموه ببندقين فلم يخطئانه فمات). عنوان المجد في تاريخ نجد، طبعه الدارة: 2/369). وغيرها من العبارات الدالة على وجود البنادق ووصولها إلى نجد. * ذكر ابن غنام في حوادث عام 1159ه حول القتال الحاصل بين دهام بن دواس وأهل منفوحة عن طريق الرمي. أن الهجوم حصل على قصر المارة في منفوحة (وبقوا يرمونهم منه حتى قتلوا منهم ناساً). ثم قولة في نفس السنة إن الإمام محمد بن سعود هاجم دهام وانزل به خسائر فقال ابن غنام (فعقروا فيهما إبلاً كثيرة ورموه بالرصاص وهو في عليته) (ابن غنام ، طبعة ابابطي، :2/6 ,7) كما أورد ابن غنام عدداً كبيراً من الإشارات حول الرمي بالبنادق في الحرب الحاصلة بين الدرعية والرياض من خلال مابين عامي (1157ه حتى عام 1187ه) وغيرهما من الإشارات العديدة في مواضع مختلفة. * وجود مواضع معينة من فوارغ ومزاغيل مخصصة في بعض الأسوار للمدن النجدية تخصص لوضع – البنادق – بها لصد المهاجمين . ولحماية المدافعين. هذا بخلاف بعض ما يرد من الإشارة في بعض القصائد القديمة أو في بعض المصادر التاريخية كابن غنام وابن بشر وقبلها. * عند قراءة الوثائق المحلية التي تبدأ من القرن الثامن الهجري حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري لدى أهالي نجد لا نجد اثراً لورود الإشارة إلى ما يخلفه الموصي من تركته مثلاً أو بيع حادث. بخلاف ما يتبع ذلك من القرن الثالث عشر حيث يجد الباحث شيئاً من ذلك. اخيراً انه بالرغم مما ذكر من معطيات عامة أو سياقات تاريخية متفرقة فإنها لا تقدم تاريخياً محدداً وموحداً لدخول البندقية إلى منطقة نجد وبدايتها على وجه الدقة لكن لعلها تفتح بعض التساؤلات أو تنطلق بعض البحوث عن ذلك. * راشد بن عساكر