تجددت في القاهرة ذكرى الكاتب الإسباني الشهير ثربانتس، وذلك بإعادة طبع روايته الخالدة «دون كيخوته» بمناسبة مرور أربعمائة عام على صدورها لأول مرة في عام 1605. وقد جاءت الطبعة الجديدة من الرواية شعبية مجانية، حيث تم توزيعها كهدية مع جريدة «القاهرة» التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية، وهي من ترجمة الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوي، ومن إصدار دار المدى للثقافة والنشر. وفي رواية «دون كيخوته»؛ التي عرفت في مصر باسم «دون كيشوت»؛ يسخر المؤلف من مجموعة من الظواهر السلبية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، كالبطولة الزائفة، والعدالة المموهة، والحقارة الاجتماعية، والنفاق الذي رفع الدساسين والغشاشين والمتملقين، ويتحسر على أحوال النبلاء الذين يسعون إلى تحقيق الخير للإنسانية بوسائل باتت عاجزة! وقد اختيرت رواية «دون كيخوته» لثربانتس منذ فترة ليست بعيدة؛ وفقاً لأكثر من خمسين روائياً عالمياً من دول متعددة؛ كأفضل رواية ظهرت على الإطلاق. وقد قصد المؤلف أن تكون روايته مرآة للعصر (المجتمع الإسباني خلال القرن السادس عشر) بكل مخازيه الاجتماعية والسياسية والإدارية، وما يعج به من رذائل ونفاق في الأدب والأخلاق، وقد تناول ثربانتس هذا كله بسخرية وتهكم وأسلوب رفيع. وقد كُتبتْ عن رواية «دون كيخوته» آلاف المقالات والرسائل الجامعية والدراسات النقدية، كما استُلْهِمَتْ منها العديد من الروايات والقصص، ويرى بعض النقاد أن رواية «دون كيخوته» بها تأثر لا يخفى بكتاب «ألف ليلة وليلة». ويوضح الدكتور عبد الرحمن بدوي في تقديمه للكتاب أنه رغم أن حكاية محاربة الفارس الحزين الطلعة دون كيخوته لطواحين الهواء التي ظن أنها فرسان عمالقة هي واحدة من عدة حكايا عديدة ساخرة تبعث على الضحك، فإنها أصبحت من أشهر حكاياه ومغامراته، حيث تطوح أذرع الطاحونة بعيداً بالفارس الهزيل المندفع نحوها برمحه قبل أن يسقط على الأرض مرتض الضلوع والمفاصل! ولعل شهرة هذه الحكاية تكمن في حدة المفارقة الساخرة التي تنكشف فيها البطولة الزائفة لدون كيخوته، مما جعل محاربة طواحين الهواء مثالاً يضرب للتدليل على الحالمين الذين لا يستطيعون الانسجام مع الواقع ويطالبون بتغييره رغم استحالة تحقيق مطالبهم! لقد كان عصر الفروسية قد انتهى منذ زمن بعيد، ولم يعد للفرسان وجود، إلا أن دون كيخوته يصر على أن يرى ما يريد، وأن يعمي عينيه عن رؤية الواقع، بل إنه يحول هذا الواقع إلى مثال مطابق لما يقرأه، ولهذا يخترع ذهن دون كيخوته المعارك الوهمية، ويخترع له محبوبة كعادة الفرسان! والكاتب «ميجيل دي ثربانتس» (1547-1616)؛ مؤلف كتاب «دون كيخوته»؛ هو شاعر ومسرحي وروائي وكاتب للقصة القصيرة. ولد في إسبانيا، وانخرط في سلك الجندية، وتنقل بين إيطاليا واليونان والجزائر التي أسر فيها، وعاد إلى بلاده ليعمل محصلاً للضرائب، وعاش حياة قاسية، ولم يلقَ في وطنه سوى العذاب والشقاء والفقر والحرمان والإنكار لموهبته، إلى أن مات وهو في التاسعة والستين.